عرفت سوريا خلال منتصف شهر أيار/مايو الماضي، ومن خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج، وتحديداً أثناء وجوده في العاصمة السعودية، صدور قرار برفع العقوبات، ما مثّل تغييراً عميقاً في بنية الوضع السياسي في الشرق الأوسط، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات وآثار على الاقتصاد وسعر صرف الليرة السورية أمام سلة العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي. وكان من المفترض أن ينعكس ذلك إيجاباً على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم.
في هذا السياق، جاء إعلان الولايات المتحدة عن رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا باعثاً على الأمل لدى البعض، في حين ظل تركيز البعض الآخر منصبّاً على المسار المتذبذب لليرة السورية، دون يقين واضح أو إجابة حاسمة يمكن أن توضّح صورة المشهد ودلالاته في الأفق المنظور.
اقرأ أيضاً: مصرف سوريا المركزي: السياسة النقدية وإصدار العملة من اختصاص المصرف حصراً – 963+
تحسن ملموس
ويشير الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح إلى أن سعر صرف الليرة السورية شهد تحسناً ملموساً مؤخراً، إذ انخفض من حوالي 10 آلاف ليرة للدولار إلى نحو 9300 ليرة، مرجعاً ذلك إلى الأثر النفسي الإيجابي لقرار رفع العقوبات الذي كبح المضاربات، رغم استمرار غياب الأدوات المالية الداعمة.
ويؤكد المصبح لـ”963+” أن الأهم من التحسن المفاجئ هو تحقيق استقرار في سعر الصرف يعكس التبادل التجاري وتدفق الأموال من مصادر مثل المغتربين والسياحة، ما يسمح بالتخطيط الاقتصادي ويقلل حالة عدم اليقين، مشدداً على أن الاستقرار التراكمي أفضل من تحسن مؤقت قد يكون ضاراً كالانهيار.
ويبيّن المصبح ضرورة التمييز بين القرار السياسي والإجراءات التنفيذية، مشيراً إلى أن الإعفاءات التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 13 مايو 2025، تمثل إطاراً قانونياً يسمح بالتعامل، “لكنها لم تُترجم بعد إلى آليات عملية ومصرفية على أرض الواقع”.
ويوضح أن المؤسسات المالية الدولية والإقليمية لا تزال متخوّفة من الدخول في أي معاملات مباشرة، بانتظار توجيهات واضحة وإجراءات تضمن عدم تعرضها لعقوبات مستقبلية.
كما يلفت إلى أن جوهر المشكلة يكمن في استمرار عزل الجهاز المصرفي السوري عن المنظومة المالية العالمية، إذ لم يتم حتى الآن إعادة إدماج المصارف السورية في نظام “سويفت” (SWIFT) العالمي، الذي يُعد الشريان الحيوي للتحويلات المالية الدولية.
ويشير إلى أن هذا العزل يحول دون تدفُّق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلًا عن عرقلة التحويلات المالية الخارجية، التي تُعد ضرورية لدعم العملة الوطنية.
ويؤكد المصبح أن غياب التدفقات النقدية الأجنبية القوية وعدم توافر البيئة القانونية والمالية المستقرة يبقي التأثير على سعر صرف الليرة محدوداً رغم رفع بعض العقوبات، موضحاً أن الشركات الدولية ما زالت حذرة.
ويشدد على أن استدامة تحسّن قيمة الليرة تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة وإعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، لا الاكتفاء برفع جزئي للعقوبات.
ويبدو من الواقع الاقتصادي وتحليل معطياته أن عدم تحسن سعر صرف الليرة السورية بشكل ملحوظ، رغم الإعلان عن تخفيف العقوبات، جاء متوافقاً مع جملة من العوامل العميقة والمتراكمة التي أثقلت كاهل الاقتصاد السوري خلال العقود الأخيرة، وما لحق به من آثار هيكلية نتيجة العقوبات في السنوات الأخيرة.
وقد ظهرت على جسد الاقتصاد السوري اختلالات بنيوية مزمنة، كان أبرزها ضعف الإنتاج المحلي، وانهيار البنية التحتية، وانكماش الثقة بالقطاع المصرفي، فضلاً عن شحّ مصادر العملة الصعبة. كما أن رفع العقوبات لم يترافق مع خطوات فعلية لإعادة فتح قنوات التبادل التجاري أو تدفق الاستثمارات الأجنبية، مما جعله حتى الآن بعيدًا عن كونه إجراءً اقتصاديًا فعالاً ومثمراً.
اقرأ أيضاً: سوريا تقترب من العودة إلى نظام “سويفت” بعد أكثر من عقد من العزلة المالية – 963+
تحريك عجلة الإنتاج
من ناحية أخرى، قد يكون من اللافت ملاحظة صعوبة تحقيق تحسن ملحوظ ومتتابع في ظل ترقُّب الجميع للحظة تحقق الاستقرار السياسي والأمني في عموم الجغرافيا السورية. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن تأثير أي قرار خارجي سيبقى محدودًا ما لم يُدعّم بإصلاحات داخلية حقيقية تعيد تنشيط عجلة الاقتصاد الوطني.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي سمير طويل إن انخفاض الدولار مقابل الليرة في سوريا ليس مرتبطاً فقط برفع العقوبات الاقتصادية
ويستطرد طويل، الاقتصادي السوري، في حديثه لـ”963+”، قائلاً إن انخفاض الدولار يجب أن يرتبط بتحريك عجلة الإنتاج بشكل أساسي، أي عملية التصنيع، ثم الإنتاج، ومن ثم التصدير بشكل رئيسي.
كما يشير إلى ضرورة وجود احتياطي نقدي مناسب في البنك المركزي، ولفت إلى أن السيولة في البنك المركزي من الدولار ليست كبيرة.
لذلك، فإن الدولار يحافظ تقريباً على سعره الحالي بين 9200 و9500 ليرة مقابل الدولار الواحد. وبالتالي، فإن قرار رفع العقوبات غير كافٍ لإحداث تأثير ملموس دون الانتباه إلى جملة من العوامل الاقتصادية الأخرى ومدى تأثيرها.
لعل أهم هذه العوامل هو زيادة الرواتب والأجور أو محاولة تقليص الفجوة، بهدف تحجيم معدلات التضخم في البلاد.
ويبين سمير طويل، في ختام حديثه، أن سوريا، في الفترة الحالية، تعاني من حالة ركود اقتصادي بسبب ضعف القوة الشرائية، وقد يكون هذا مؤشرًا على عدم تحسن مؤشرات النمو الاقتصادي، الأمر الذي سيؤثر على تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار في الوقت الراهن.