أثارت التظاهرات التي شهدها مطار حميميم، والذي تتخذه روسيا كقاعدة عسكرية رئيسية لها في سوريا، اهتماماً واسعاً في الأوساط السورية والدولية. جاءت هذه الاحتجاجات بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة الساحلية، والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى، ما دفع العديد من العائلات إلى اللجوء إلى القاعدة الروسية طلباً للحماية.
وظهر المحتجون في مقاطع فيديو تم تداولها على نطاق واسع، وهم يطالبون بحماية دولية، في ظل تصاعد العنف الذي شهدته المنطقة. وبالرغم من اتهام بعضهم بأنهم من فلول النظام السابق، فإن آخرين أكدوا أنهم مدنيون هربوا من عمليات انتقامية ارتكبتها بعض الفصائل بحق السكان من الطائفة العلوية.
ورفض المحتجون مقابلة وفود من الإدارة السورية الجديدة، في وقت بدت فيه المواقف الإقليمية والدولية أكثر وضوحاً مقارنة بالموقف الروسي. فقد أدانت عدة دول أوروبية وإقليمية أعمال العنف وطالبت بحماية المدنيين، ودعت إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها، بينما بقي الموقف الروسي غامضاً ولم يصدر عنه موقف حاسم تجاه الاشتباكات.
علاقة روسيا بالاضطرابات
تزامنت هذه الاحتجاجات مع انتشار تسجيلات صوتية نُسبت إلى فلول النظام السابق، زُعم فيها وجود تنسيق مباشر مع القوات الروسية في قاعدة حميميم، شمل تزويدهم بالسلاح والمساعدات اللوجستية. وقد زادت هذه المزاعم من الشكوك حول احتمال وجود دور روسي في دعم فلول النظام، بهدف إحداث فوضى تسهم لاحقاً في فرض حلول تخدم المصالح الروسية في سوريا.
يقول صلاح قيراطة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لموقع “963+” إن “مجموعات من السوريين، من مدنيين وعناصر من النظام السابق وعائلاتهم، دخلت إلى قاعدة حميميم الجوية بعد ساعات من الانتظار، حيث سمحت لهم القوات الروسية بالدخول”.
كما أفادت تقارير أخرى بأن القوات الروسية قدمت ملاذاً آمناً للنازحين، وأتاحت الحكومة السورية مساعدات إغاثية لهم .لكن هذه الجهود لم تسفر عن عودة هؤلاء إلى مدنهم وقراهم.
المصالح أولاً
بعد هدوء نسبي في الساحل السوري، ظهر الموقف الروسي بشكل أكثر وضوحاً من خلال تصريحات المسؤولين الروس. إذ رفض المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التعليق على تفاصيل الوضع الميداني، مكتفياً بالقول: “الأمن اللازم لجنودنا متوفر على المستوى المطلوب”، مضيفاً: “بشكل عام، لا أود التعليق على سير هذه العمليات، لأننا لا نعرف التفاصيل”.
ويضيف قيراطة أن “روسيا تسعى لتعزيز صورتها كحامية للأقليات في سوريا، مما قد يكسبها دعماً محلياً ودولياً. كما أن استقبال النازحين في قاعدة حميميم يعزز أهمية القاعدة كمعقل استراتيجي لروسيا في المنطقة، وهو ما يخدم مصالحها العسكرية والسياسية طويلة الأمد”.
بين المصالح الإنسانية والسياسية
يرى مراقبون أن موسكو تتعامل مع هذه الأزمة ببراغماتية، إذ تحاول الظهور كداعمة للإدارة السورية الجديدة، مع عدم الانخراط بشكل مباشر في استغلال النازحين سياسياً. وفي هذا السياق، يقول الأكاديمي مصطفى خالد المحمد، مستشار سياسي يقيم في موسكو، لـ”963+” إن “400 عائلة دخلت إلى القاعدة الروسية في حميميم، وعقب توترات الساحل، دخل أشخاص آخرون بدواع ارتباطهم بتلك العوائل”.
ويضيف المحمد أن “القاعدة الروسية استقبلت العوائل لدواعٍ إنسانية، لكن روسيا استبعدت لاحقاً إمكانية استمرار الدعم الإنساني لهم، ووجهت بضرورة مغادرتهم للقاعدة مع تحسن الأوضاع الأمنية في المنطقة”.
كما أكد المحمد أن “موسكو تدعم الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، لأن أي اضطرابات في سوريا ستؤثر سلباً على المصالح الروسية، وستؤدي إلى ضياع استثماراتها الاقتصادية والاستراتيجية”.
هل تستثمر روسيا في الأزمة؟
بحسب بعض التحليلات، فإن روسيا لن تستثمر هذه الأزمة سياسياً في المحافل الدولية، باستثناء احتمال استقطاب بعض ضباط النظام السابق وتقديم اللجوء السياسي لهم.
كما يرجح الأكاديمي أن موسكو كانت على اتصال مع أحمد الشرع قبل سقوط النظام وهروب بشار الأسد إلى موسكو، وهو ما يعزز احتمالية أن روسيا لا تسعى لاستغلال النازحين في حميميم، بقدر ما تحاول تأمين وجودها العسكري والاستراتيجي في سوريا وضمان نفوذها المستقبلي في المنطقة.