في أول زيارة رسمية لمسؤول سوري إلى العراق منذ سقوط النظام المخلوع في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، زار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني، العاصمة بغداد، وسط تساؤلات حول دلالات هذه الزيارة بعد أن تم تأجيلها مرات عدة، وإمكانية نجاحها في كسر حاجز التردد بين البلدين، في ظل مخاوف عراقية لا تزال قائمة.
والتقى الشيباني، الجمعة، بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ومسؤولين عراقيين آخرين. وقال في مؤتمر صحفي مشترك، أن الهدف من الزيارة هو تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، معتبراً أن فتح الحدود بين سوريا والعراق سيكون خطوة أساسية في تنمية العلاقات، وأكد استعداد بلاده للتعاون مع العراق في محاربة تنظيم ‘‘داعش’’.
من جانبه، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في المؤتمر الصحفي، على أن غرفة عمليات لمحاربة تنظيم “داعش” سترى النور قريباً بوجود سوريا ودول أخرى، معبّراً عن تأييد العراق للاتفاق بين قوات سوريا الديموقراطية (قسد) والإدارة الانتقالية.
ملفات اقتصادية وأمنية على الطاولة
مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازي فيصل، قال في تصريحات لموقع ‘‘+963’’، أن ‘‘الزيارة ستفتح مساراً جديداً للعلاقة بين بغداد ودمشق، بعد شهور من حالة التردد التي طغت على العلاقة بين البلدين عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد وصعود إدارة جديدة’’.
وأوضح فيصل أن “سوريا تسعى لتوطيد العلاقات مع العراق في جميع الاتجاهات، خاصة وأن المحادثات تناولت ملفات حيوية، أبرزها التعاون الاقتصادي، إعادة الإعمار، فتح المعابر الحدودية، تهريب المخدرات، ومكافحة الإرهاب”.
وتمثل سوريا من الناحية الجغرافية الرئة التي يستطيع العراق من خلالها الوصول للبحر المتوسط، كذلك موضوع الطاقة وإعادة إحياء أنبوب النفط القديم، والاستثمار في الصناعة السورية التي تمتلك ثروات مهمة على صعيد الغاز والنفط والفوسفات والمعادن المختلفة، جعل من العراق أن يفتح أبوابه أمام الإدارة السورية الجديدة، وفق فيصل.
وشدد مدير المركز العراقي، على ضرورة أن تتبنى السياسة العراقية على صعيد العلاقات مع دول الجوار، استراتيجية للانفتاح والتفاعل والتكامل الاقتصادي للتعاون على صعيد مختلف المشكلات، مثل ‘‘المياه، الأمن، الحرب على الإرهاب وغيرها من الملفات المشتركة بين البلدين’’.
اقرأ أيضاً: أكثر من طن… العراق يضبط شحنة “كبتاغون” قادمة من سوريا
تطمينات وغرفة عمليات مشتركة
وفيما يتعلق بتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين دمشق وبغداد لمحاربة تنظيم ‘‘داعش’’، أوضح فيصل، أن من شأن ذلك توثيق العلاقات بين البلدين. وأشار إلى أن ‘‘مخيم الهول الذي يضم آلاف العائلات من داعش لا يزال يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في سوريا والعراق، إلى جانب السجون التي تضم عناصر من التنظيم والتي تتطلب ضمانات أكبر لمراقبتها’’.
وتابع، أنه ‘‘من المهم أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين البلدين في مجال تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية والعملياتية التي تتعلق برصد تحركات الدواعش في الأراضي السورية والأراضي العراقية سواء في الأنبار أو في أطراف الموصل وكركوك أو في جبال حمرين وغيرها’’.
من جهته، رأى المحلل السياسي السوري باسم نعمان، أن ‘‘زيارة الشيباني تأتي في إطار التطمين بأن سوريا لن تكون مصدر تهديد للعراق، والتأكيد على أهمية التنسيق لحماية الحدود وإزالة التوترات بين البلدين، فضلاً عن تمهيد الطريق لتبادل الزيارات الرسمية والاعتراف بحكومة أحمد الشرع’’.
وأوضح نعمان في تصريحات لموقع ‘‘+963’’، أنه “من الضروري عودة العلاقات بين بغداد ودمشق، ولكن على الأخيرة تبديد المخاوف العراقية تجاهها، فيما يتعلق بحماية الأقليات وتعزيز الأمن خاصة في الساحل السوري ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بحق الطائفة العلوية”.
وتابع، بأن تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين البلدين لمحاربة تنظيم ‘‘داعش’’ يتطلب أولاً إنهاء ملف المقاتلين غير السوريين من أيغور وشيشان وتركستانيين وأوزباكستانيين ممن يتبنون فكراً جهادياً، مشيراً إلى أن ‘‘وجودهم في الجيش السوري الجديد يشكل عامل خوف وحذر للعراق وللدول العربية والدولية أيضاً’’.
اقرأ أيضاً: الشيباني: الإدارة الانتقالية مستعدة للتعاون مع بغداد لمحاربة “داعش”
تباين الخطاب العراقي
ورغم الترحيب الرسمي، فإن جهات مدنية ومستقلة عراقية عبّرت عن قلقها من تكرار الأحداث الأخيرة في الساحل السوري، وتداعيات ذلك على الداخل العراقي، كما أن قادة الإطار التنسيقي الشيعي ينظرون بتوجس للحالة السورية الجديدة، لكنهم لم يبدوا اعتراضاً في العلن، على الأقل من الزيارة.
وكان من المفترض أن تحصل زيارة الشيباني إلى بغداد في وقت سابق، إلا أنها أُجلت مرات عدة. وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أرجع حينها سبب تأجيل الزيارة إلى ردود فعل سلبية غير رسمية صدرت من أطراف سياسية وإعلامية عراقية رفضت الزيارة.
وفي هذا الصدد قال الباحث في الشأن العراقي حسين الطائي، أن ‘‘الحكومة العراقية ترى أن ما حصل في سوريا هو شأن داخلي سوري، ولا يحق للعراق التدخل فيه، لكن هناك قوى سياسية شيعية تعتبر ما جرى خسارة كبيرة للمحور الإيراني، ولذلك ترفض تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة’’.
التأثيرات الإقليمية والدولية الكبيرة على العراق، خاصة من المحورين الأميركي والإيراني، أدى إلى انقسام واضح بين الحكومة العراقية وقوى سياسية أخرى في التعامل مع الحالة السورية الجديدة، لكن هناك ضغط دولي لتقبل الواقع في سوريا، والعراق لا يريد أن يبتعد عن المنظومة الدولية، وفق الطائي.
وتابع الباحث العراقي في حديثه لموقع ‘‘+963’’، أنه ‘‘بغض النظر عن بعض الردود السياسية، فإن زيارة الشيباني حققت نجاحاً نسبياً في كسر حاجز التردد والجمود بين دمشق وبغداد وأعادت بناء جسر الثقة بين البلدين، وبعثت رسالة تطمين بعدم خروج الأمور عن السيطرة’’.
الاستقلالية ورفض التدخلات الأجنبية
كان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أشار في المؤتمر الصحفي في العاصمة العراقية بغداد، إلى أن “سوريا والعراق يجب أن يقفا معاً لمنع أي تدخل في شؤونهما الداخلية’’، وتابع: “علينا التعاون لرفض أي تدخل خارجي تملي علينا فيه قوى خارجية ما نفعله’’.
وفي هذا الإطار أردف الطائي، أن بلاده متخوفة من التدخلات الأجنبية في الشأن السوري، منوهاً إلى أن ‘‘التوغل التركي في سوريا سيشكل تهديد مباشر للعراق والهيمنة التركية على القرار السوري ستكون بداية لهيمنتها على العراق أيضاً’’.
وتابع الطائي، أن الشراكة القوية مع بغداد ستجعل دمشق أكثر مناعة في مواجهة التدخلات الخارجية، مؤكداً أن ‘‘الاتفاق بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاق مهم لبناء علاقات متوازنة بين جميع المكونات وقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية’’.
وكان رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، صرّح لقناة ‘‘العربية’’ السعودية، في وقت سابق، أن ‘‘الهيمنة التركية واضحة في سوريا”، مضيفاً أن “هذا مقلق فلا نريد استبدال أنقرة بطهران’’ داعياً الدول العربية عدم ترك سوريا، وحذّر أيضاً الإدارة السورية الجديدة من الهيمنة التركية على مفاصل ومقدرات البلاد.