في كل عام، يبدأ طلاب سوريون رحلة التقصي عن منح دراسية دولية بهدف إكمال مسيرتهم الأكاديمية، وخاصة مراحل الدراسات العليا مثل الماجستير والدكتوراه، غير أن هذا السعي يجري في جو منافسة شديدة على عدد من المقاعد وضمن شروط ومعايير محددة.
وتمثّل المنح الدراسية الممولة بالكامل فرصاً ذهبية للشباب السوريين الذين يرغبون بخلق مستقبل أفضل في ظل الظروف المعقدة التي تعصف بالبلاد، إلى جانب صعوبات مادية تحول دون قدرة جزء كبير من الطلاب على متابعة دراستهم في الخارج بالاعتماد على مواردهم الذاتية.
وضمن هذا السياق، تبدو المسألة أكثر تعقيداً بالنسبة للطلاب الذين يخوضون غمار المنح للمرة الأولى، ولا يملكون خبرة سابقة، حيث تستهلك العملية جهداً ووقتاً وبعض التكاليف المادية، كما تتطلب صبراً أثناء المراحل المتعددة.
على مدى السنوات الماضية، أسسّ سوريون مبادرات متنوعة تهدف لتقديم يد العون للطلاب الراغبين بإتمام تعليمهم خارج البلاد؛ من صفحات (مجموعات) على فيسبوك يتبادلون فيها خلاصة تجاربهم وخبراتهم وآرائهم إلى مبادرات فردية أو منظمة تقدم الإرشاد الأكاديمي والنصائح لتلافي الأخطاء وزيادة الفرص. وقد تكون بعض هذه المبادرات مؤقتة كأن يتطوع طالب حصل على منحة سابقاً لتدقيق مقالات أو رسائل الدوافع لمن ينوي دخول التجربة نفسها. فعلياً إلى عدد منها في الوقت ذاته.
نجح ديب في الحصول على المنحة الهنغارية منذ المحاولة الأولى أثناء قبوله في برنامج الإرشاد الأكاديمي لدى “الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي”. يقول ديب لـ “963+” إن الجلسات الدورية ساعدته في تطوير رسالة الدافع والتحضير للمقابلات مع الجامعات. ويرى ديب أن الجانب الأهم هو الدعم المعنوي والتشجيع، “بالنسبة لخريج حديث يريد أن ينطلق في حياته، لكنه لا يعلم كيف سيبدأ، وما الاتجاه الصحيح الذي يتوجب عليه اختياره” كما يصف.
تخرج ديب لاحقاً بترتيب الأول على جامعته بقسم هندسة الميكانيك في هنغاريا. يكمل حديثه: “رغبت في تقديم المساعدة ذاتها للطلاب، وبدأت العمل متطوعاً مع الجمعية منذ قرابة عام”.
إرشاد وتوجيه
يشرح رئيس الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي هاني حرب فكرة برنامج الإرشاد الأكاديمي، حيث يتولى تقديمه متطوعون سوريون أو عرب سبق أن درسوا التخصص وتخرجوا في الجامعة ذاتها، كذلك مروا بالمراحل كلها من الحصول على قبول جامعي بداية إلى المنحة تالياً.
ويضيف حرب لـ “963+” أن الطلاب الذين تقدموا إلى منح سابقاً لديهم القدرة على تقديم الخدمة كاملة لنظرائهم الجدد.
ولا يخفي رئيس الجمعية أن نسبة الحصول على منحة ربما لا تتجاوز 20% إلى 30%، لذلك قد يحصل الطالب على قبول جامعي من دون منحة ممولة، وهنا يضطر إلى البحث عن مصدر تمويل آخر مثل حساب بنكي أو كفيل.
بالتوازي مع ازدياد اهتمام الطلاب السوريين بالمنح الدراسية، انطلقت مبادرات شبابية جديدة في الخارج، مؤسسوها حصلوا على منح دولية سابقاً أو يدرسون في جامعات أجنبية، منها مبادرة EduBridge التي شرعت هذه العام في دعم طلاب سوريين يسعون إلى الحصول على منح دراسية دولية، بحسب محمد أمينو، الشريك المؤسس للمبادرة.
يتحدث أمينو عن مشروع الإرشاد الأكاديمي الذي يقدم إرشاداً شخصياً وموجهاً لدعم الطلاب في مراحل عملية التقديم للمنح جميعها، بما في ذلك إعداد المستندات المطلوبة، وكتابة رسائل الدافع، وتجهيز السيرة الذاتية؛ فضلاً عن تحضيرهم للمقابلات الشخصية.
يوضح أمينو لـ “963+” أن المبادرة تتضمن جلسات إرشادية شخصية تساعد الطلاب على اختيار التخصص والبرنامج المناسب، يوفر هذه الجلسات مرشدون ذوو خبرة في مجالات متنوعة.
لجأ المبادرون إلى البودكاست، ويهدف أمينو من خلاله إلى الإضاءة على تجارب شباب سوريين نشأوا في ظروف مشابهة، واستطاعوا تحقيق أحلامهم بالحصول على منح دراسية.
عقدة التمويل
تبدو مسألة تدفق التمويل بالنسبة للجهات السورية عائقاً أمام زيادة عدد المقبولين في برامج الإرشاد الأكاديمي كل عام.
يصف رئيس الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي هاني حرب المسألة بالعقبة؛ إذ يقول: “عندما يتوسع تمويل برنامج الإرشاد سيكون لدينا القدرة على تقديم دعم أكبر للطلاب”.
يعد أمينو مبادرته جسراً مساعداً في ضوء الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الطلاب. وعلى الرغم من أن التمويل يشكل تحدياً لتوسيع نطاق البرامج كما يرى أمينو، إلا أن مبادرته تسعى إلى تأمينه عبر جمع التبرعات والشراكات مع منظمات داعمة.
تكلفة مادية
تشترط المنح الدراسية غالباً تقديم ما يثبت مهارة اللغة الأجنبية مثل الإنكليزية في حال كنت لغة البرنامج الأساسية، لكن تكاليف الاختبارات الدولية شكلت عقبة أمام قسم كبير من الطلاب السوريين.
تتكفل مبادرة أمينو بتقديم موارد مالية لتغطية تكاليف الامتحانات الدولية لعدد من الطلاب المقبولين في البرنامج.
يقول حرب: “في عامي 2020 و2022، قدمنا 24 منحة لإجراء اختبارات اللغة الدولية، وستنطلق منحة جديدة تغطي تكاليف الامتحانات لعدد لا بأس به من الطلاب”. يحاول حرب التوجه إلى شهادات لغوية أقل تكلفة مادياً، ومقبولة لدى الجهات المانحة المختلفة، لكن بعض المنح لا تقبل إلا شهادات دولية محددة.
لمن لم يحالفهم الحظ!
لا يفلح كل طالب بانتزاع منح دراسية ممولة بشكل كامل دوماً نتيجة أسباب عديدة، حيث تلعب عوامل الخبرة والتفوق الأكاديمي أو المهني وتحقيق شروط ومتطلبات كل منحة دوراً في تقرير مصير ملف المتقدم، علاوة على عدد المنافسين المحتملين.
وهنا ينصح رئيس الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي هاني حرب الطلاب بالمحاولة الدائمة، مشيراً إلى أن المنحة لا تعتمد فقط على المعدل الدراسي؛ لذا يجب تحسين السيرة الذاتية كي تصبح جذابة من خلال الانخراط في تدريب أو زمالات والحصول على شهادات محددة.
من جهته، يدعو الشريك المؤسس لمبادرة EduBridge محمد أمينو الطلاب إلى عدم الاستسلام؛ بل الاستمرار في تحسين ملفاتهم الأكاديمية والشخصية، والبحث عن فرص أخرى، والتعلم من تجاربهم السابقة.