باريس
هل ينشط مرتزقة سوريون موالون لتركيا في الساحل الأفريقي، وتحديداً في مالي والنيجر؟ سؤال تحاول صحيفة “لو موند” الفرنسية الإجابة عنه بعدما أثير من شكوك في هذه المسألة، خصوصاً بعد عودة أول جثمان لمسلح سوري إلى بلاده، في بداية أيار/مايو الماضي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكد أن سوريين موجودون في منطقة الساحل ينشطون عسكرياً لصالح تنفيذ “مخططات جيوسياسية تركية”.
وبحسب تقارير متتالية نشرها المرصد، وصل أكثر من 1000 مقاتل سوري إلى النيجر، ضمن قوات تابعة لشركة “سادات” الأمنية التركية الخاصة، المقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان. ويعيد هذا الخبر إلى الأذهان تاريخاً طويلاً من التوغل التركي في القارة السمراء، “حيث تمتزج الصفقات الأمنية والعقود الاقتصادية والمساعدات الإنسانية وحملاتٌ لنشر إسلامٍ تروّج له جماعة الإخوان المسلمين”، بحسب “لو موند”.
ونسبت الصحيفة الفرنسية إلى رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، قوله إن المرتزقة السوريون في النيجر “يتولّون حراسة المناجم أو المنشآت النفطية أو القواعد العسكرية، لكنهم يجدون أنفسهم متورطين في القتال ضد الجماعات الجهادية”، مضيفاً أن ما يثير القلق هو أن هؤلاء يجدون أنفسهم في خندق واحد مع مرتزقة روس ينتمون إلى ما يسمى “الفيلق الأفريقي”، أي مجموعة فاغنر سابقًا، “على الرغم من أنه موسكو وأنقرة ليستا متحالفتين في سوريا”.
وفي مالي، تقول “لو موند” إن مهمة المرتزقة السوريين “ضمان أمن العقيد عاصمي جويتا، الرئيس الانتقالي للبلاد، الذي يشعر بتهديد متزايد من العقيد ساديو كامارا، وزير دفاعه الذي قاد انقلابي آب/أغسطس 2020 وأيار/مايو 2021، عِلماً أن كامارا وراء انتشار نحو 2000 عنصر من مرتزقة “فاغنر” الروسية في البلاد منذ أواخر عام 2021.
ويعقّب عبد الرحمن: “يبدو أن الروس والأتراك يتعاونون في النيجر ومالي”، مضيفاً أن 9 من هؤلاء المرتزقة السوريين قد لقوا مصرعهم حتى الآن.
لا إثبات رسميأ
في 16 مايو/أيار، قالت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) إنها تحدثت هاتفياً مع مقاتلين سوريين اثنين مواليين لتركيا، أحدهما موجود في النيجر، فيما يستعد الآخر للذهاب إلى هناك، إلا أن وجود هؤلاء السوريين في النيجر لم يُثبت بشكل رسمي وقاطع. وتقول “لو موند”: “تزعم مصادر أمنية وسياسية وديبلوماسية في النيجر أن لا دليل على انتشار مرتزقة سوريين أتت بهم مجموعة سادات إلى النيجر”.
تضيف الصحيفة الفرنسية: “هذا الوجود العسكري التركي في منطقة الساحل، إذا تم تأكيده، لا يفاجئ أحداً، نظراً إلى الممارسات التركية في أفريقيا، وبحسب مصادر أمنية من غرب أفريقيا، جرت بالفعل مفاوضات بين المجلس العسكري في نيامي ومجموعة سادات. وفي خريف 2020، أرسلت المجموعة مرتزقة سوريين لدعم القوات الأذرية في صراعها مع أرمينيا حول ناغورنو كاراباخ”.
جرت العملية نفسها في غرب ليبيا. فقد أثبت تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية في حزيران/يونيو 2020 دور مجموعة سادات في الإشراف على نحو 5000 من المساعدين السوريين في طرابلس إلى جانب جنود من الجيش أنقرة النظامي، “ومكّن هذا التدخل حكومة فايز السراج، حليف تركيا، من صد هجوم شنّته قوات المشير خليفة حفتر، المدعوم من ’فاغنر الروسية‘”. وأعرب التقرير الأميركي حينها عن قلقه من عدم انضباط المرتزقة السوريين، مرجحاً أن يثير ذلك ردة فعل عدائية من الليبيين.
النشأة الأولى
تأسست مجموعة سادات التركية في شباط/فبراير 2012، على يد عدنان تانريفردي، وهو جنرال تركي سابق فصل من السلك العسكري بسبب ميوله الإسلامية. وتقدم المجموعة نفسها على موقعها الإلكتروني زاعمة أنها الشركة “الأولى والوحيدة” في تركيا التي تقدم استشارات في قطاع الدفاع الدولي والأمن الداخلي، بهدف مساعدة العالم الإسلامي.
ومنذ بدايتها، رأت المعارضة التركية هذه المجموعة “جيشاً موازياً”، خصوصاً أنها أدت دورًا مهماً في إفشال الانقلاب في يوليو/تموز 2016، حيث سلّحت مدنيين متعاطفين مع أردوغان ضد الانقلابيين.
ويقول يوحنان بنهايم، الباحث في المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول، إن نفوذ هذه المجموعة تضاءل في السنوات الأخيرة، “فالتغييرات الداخلية داخل الجيش، وعودة النظام إلى السلطة، والإجماع المشترك الذي تم التوصل إليه في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني وفي السياسة الخارجية، أدت إلى تقريب مؤسسات الدولة بعضاً من بعض”.