دمشق
احتشد الآلاف في مدن سورية عدة لا سيما العاصمة دمشق مساء أمس السبت لإحياء الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة لبشار الأسد، وذلك للمرة الأولى بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع.
تأتي هذه الذكرى فيما تواجه السلطات الجديدة تحديات عدة تتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية وبعد يومين على إقرار الإعلان الدستوري الذي يمنح رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع سلطات مطلقة في إدارتها، وفق خبراء، وبعد أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري.
اقرأ أيضاً: أسوشيتد برس: تضارب مصالح تركيا وإسرائيل بسوريا قد يدفعهما للمواجهة
وتجمّع المئات في ساحة الأمويين وسط العاصمة مساء السبت استكمالا لفعاليات انطلقت بعد الظهر، وسط إطلاق مفرقعات نارية وبث أغان وطنية وإسلامية، رافعين الأعلام السورية، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس).
ومن الساحة، قال عبد الغني كيوان (42 عاماً) لـ”فرانس برس”، والذي جاء مع زوجته وابنه: “هذا المشهد يعلمنا أن الحق لا يضيع حين يبقى من يطالب به”.
وأضاف: “الثورة انتصرت لكن علينا جميعاً أن نحافظ على هذا الانتصار، الثورة ليست ملكاً لأي سلطة بل هي ملك للشعب”.
ونشرت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا)، صوراً تظهر آلاف المحتفلين في وسط مدينة حلب شمالي البلاد وفي حماة بالوسط.
وفي ساحة الساعة في مدينة حمص التي كانت من أولى المدن التي شاركت في مظاهرات آذار/ مارس 2011، وشهدت مواجهات مسلّحة عندما تحولت الثورة إلى صراع مسلح، احتشد الآلاف كذلك إحياءً للذكرى.
وقال طارق بدرخان أحد المشاركين: “شاركت في أول تظاهرة خرجت في حمص، منذ أول تظاهرة كسرنا حاجز الخوف وواجهنا قوات الأمن بصدور عارية حين كانوا يطلقون علينا الرصاص وطالبنا بسقوط النظام”.
وذكر: “اليوم بعد 14 عاماً، نقف في الساحة نفسها، ونكاد لا نصدق أننا هنا، أننا انتصرنا وأن الطاغية رحل”.
وكتب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني على منصة :إكس”: “سنبقى مدينين لصرخة الحرية الأولى، تلك التي انطلقت من درعا مهد الثورة السورية وعمّت جميع المدن، وأوفياء للتضحيات العظيمة التي قدّمها شعبنا عبر أكثر من 14 عاماً”.
اقرأ أيضاً: بيدرسن يدعو لتشكيل حكومة انتقالية وإطار دستوري شامل في سوريا
كان العشرات تجمّعوا في ساحة الأمويين في دمشق بعد الظهر أيضاً رافعين الأعلام السورية الجديدة، ولافتات كتب على بعضها “الثورة انتصرت”، فيما حلّق الطيران المروحي وألقى منشورات ملونة كتب عليها “لا مكان للكراهية بيننا لأن سوريا تحتاج قلوباً صافية وأياديَ متكاتفة”.
وقالت هناء الدغري (32 عاماً) من ساحة الأمويين: “ما يجري الآن هو حلم لم أجرؤ على التفكير فيه، خرجت من دمشق قبل 12 عاماً لأنني كنت مطلوبة أمنياً، ولم يكن لديّ أمل بالعودة لولا التحرير”.
في إدلب بشمال غرب البلاد، تجمّع المئات كذلك خلال اليوم احتفالاً بالذكرى في ساحة بوسط المدينة، رافعين الأعلام السورية وعلم “هيئة تحرير الشام”، وسط حضور أمني.
واعتباراً من منتصف مارس 2011 في خضم ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي”، خرج عشرات آلاف السوريين في تظاهرات مطالبين بإسقاط نظام الأسد. واستخدمت السلطات العنف في قمع الاحتجاجات، ما أدخل البلاد في نزاع دامٍ تنوعت أطرافه والجهات المنخرطة فيه.
ويأتي إحياء الذكرى هذا العام للمرة الأولى من دون حكم آل الأسد الذي امتد زهاء نصف قرن، بعد أن أطاحته فصائل تقودها “هيئة تحرير الشام”، بدخولها دمشق في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غرب البلاد في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر.
وتواجه سوريا تحديات كبيرة مرتبطة بالواقع المعيشي والخدمي، فضلاً عن تحديات مستجدة مرتبطة بالسلم الأهلي، ولا سيما بعد أيام على أعمال عنف دامية في منطقة الساحل أوقعت أكثر من 1500 قتيل مدني غالبيتهم علويون، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشكّلت هذه الأحداث اختباراً مبكراً للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري، بعدما كان تعهد مراراً الحفاظ على السلم الأهلي وحماية الأقليات.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون في بيان يوم الجمعة الماضي: “مر أربعة عشر عاماً منذ أن خرج السوريون إلى الشوارع في احتجاجات سلمية، مطالبين بالكرامة والحرية ومستقبل أفضل”.
وأشار إلى أن السوريين “يستحقون الآن انتقالاً سياسياً يليق بصمودهم وسعيهم لتحقيق العدالة والكرامة”، داعياً إلى وقف فوري لجميع أعمال العنف وحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي، واتخاذ خطوات جريئة لتشكيل حكومة انتقالية وصياغة دستور شامل.
ووقع الشرع الخميس الماضي، على إعلان دستوري من 53 مادة، حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح الرئيس الانتقالي سلطات مطلقة في تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم تبنيه في الوقت ذاته مبدأ “الفصل بين السلطات”.