“اللي عمرو 70 سنة سهل عليه؟”. هذا السؤال سألته أم أحمد (68 عاماً) وهي تقف أمام تنورها القديم قرب منزلها في بلدة الرامي بمنطقة جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب، تخبز فيه خبزاً تراثياً سورياً شهياً، بيدين خطت فيها السنوات خريطة تعب العمر.
في المبدأ، ليس سهلاً أن يعمل من يشارف على السبعين أعمالاً مضنية، لكن.. للضرورة أحكام. ولا ضرورة في سوريا اليوم أشد إلحاحاً من لقمة العيش الكريمة، وأم أحمد تكافح يومياً لتكفي نفسها وعائلتها شرّ الحاجة والسؤال.
تصلي أم أحمد الصبح، وتنصرف بعدها إلى العجن. وحين يختمر العجين، تحمّي التنور وتبدأ نهارها آملةً في أن يكون مثمراً. فبهذا التنور القديم، تعيل نفسها وأسرتها المؤلفة من خمسة أشخاص. تقول لـ”963+”: “حين فقدت زوجي في الحرب قبل عشرة أعوام، لم أجد مفراً من العمل. فبناتي لا يعملن، وابني الوحيد مصاب بحالة مرضية تمنعه من العمل، وأنا أعمل ’منشان العالم ما تتحنّن علينا ونحنا الحمد لله كافيين حالنا‘”، متباهية بأن أولادها يحتاجون إليها، وهي لا تحتاج إليهم.
بنت أم أحمد تنورها هذا قريباً من منزلها، واختارت له موقعاً “استراتيجياً”، كما تلمّح. تقول: “إنه على قارعة الطريق الرئيسي في الرامية، يصل جبل الزاوية بمحافظة إدلب، فيمرّ فيه كل سكان جبل الزاوية متى أرادوا الذهاب إلى المحافظة، وهذا زادني شهرة على مستوى المنطقة”.
ماذا يشترون منك يا أم أحمد؟ تقول إن أهل الرامية يحبون الخبز الأبيض والكماج والفطائر بالجبن وبالزعتر وفطائر المحمرة والخبز بالفليفلة، إضافة إلى خبز التنور التقليدي المشروح. تضيف: “لا يوجد شخص في المنطقة لا يأكل خبز التنور، وقلة لا يأكلونه من عندي”، متباهية بأنها تراعي في أسعارها حالة الناس، ” فأنا أبيع الفطيرة بـخمس ليرات تركية (0.16 سنت أميركي)، ورغيف الخبز بثلاث ليرات تركية (0.09 سنت أميركي)، وهذه الأسعار جيدة، لي ولمن يشتري”.
تبتسم أم أحمد أخيراً حين تؤكد رفضها صنع المعجنات الحديثة، بالشوكولاتة واللحم، وفطيرة البيتزا أيضاً، “فالناس هنا بُسطاء، لا يستطيعون شرائها، وهي ليست أصلاً من ثقافتنا، وأنا أطعمهم خبزاً تربّوا عليه، من أيام أمهاتهم وجداتهم”.
وتختم سيرتها المجبولة بالهمّ اليومي قائلةً: “على أيام إماتنا وستاتنا، كان في طواحين، كنا نطحن ونعجن ونخبز… وأنا لسّاتني ع هالدقة هاي”.