خاص – عمار جلو/عينتاب
منذ أن تدخلت إيران في سوريا في عام 2011 لنجدة الحكومة السورية ومنع سقوطها، لا ينقضي يوم سوري من دون أن يكون الخبر الإيراني-المحلي حاضراً فيه، فلإيران تأثيرها الكبير في الساحتين السياسية والأمنية بسوريا، مباشرةً من خلال “الحرس الثوري” أو مواربةً من خلال فصائل سورية ولبنانية وعراقية موالية لها، في مقدمتهم “حزب الله” اللبناني، ولا يخفى سعيها إلى إحداث تغييرات جذرية في المجتمع السوري، من خلال الترويج للتشيّع الذي تتابعه على مدى انتشارها في الجغرافيا السورية، بفعاليات اجتماعية وتجنيد الشباب في فصائل مسلحة وشبكات استخباراتية، تحت شعارات إنسانية ودينية.
نقطة محورية
اليوم، أصبحت الفصائل العشائرية نقطة محورية للمصالح الاستراتيجية لإيران، بحسب عبدالله الحايك وهو مساعد باحث في “برنامج الدراسات العسكرية والأمنية” في معهد واشنطن، فقد باتت هذه الفصائل، لا سيما في دير الزور، أداةً لتنفيذ هدف “الحرس الثوري” في تمكين طهران من توسيع نطاقها الإداري وتعزيز نفوذها في المناطق السورية الحيوية استراتيجياً. كذلك، فإن الدور المزدوج لـ “لواء الباقر”، بوصفه كياناً عسكرياً وجهةً سياسية فاعلة تمارس السلطة عبر القوة العسكرية والمشاركة المجتمعية، يسلط الضوء على استراتيجية طهران لتعزيز التبعيات المحلية التي تؤمن مصالحها طويلة المدى في المنطقة.
يقول الحايك لـ”963+”: “يُظهر الاستثمار الإيراني في العشائر العربية شرق سوريا، خصوصاً في دير الزور، أنموذجاً يُحاكي النمط الذي أُسس في حلب، ويتم تعزيزه حالياً بأجنحة اجتماعية واقتصادية وإدارية جديدة ممولة من ’الحرس الثوري الإيراني‘”، مضيفاً أن هذا النفوذ يشمل تأسيس فصائل عشائرية محلية وتوسيعها، مثل “لواء الباقر” في حلب ودير الزور، “وهذا أظهر قدرة إيران على تعميق تأثيرها بتغيير مذهب أفراد من القبائل السنية من خلال اعتناقهم المذهب الشيعي، واستخدامهم في أدوار سياسية وعسكرية محلية”.
والعشائر العربية في دير الزور وما حولها هي قبائل هاجرت قديماً من اليمن والجزيرة العربية، وانتشرت في العراق وسوريا حول نهر الفرات. وقد أدت دوراً سياسياً كبيراً في تلك المنطقة، بفضل سيطرتها عليها عشائرياً، وترسّخ جذورها فيها اجتماعياً، وموالاة قسمٍ كبير منها بشكلٍ شبه دائم للحكومة السورية سياسياً، إضافةً إلى وصول رموز قبلية لها مكانتها إلى قبة البرلمان السوري.
فرصة ثمينة
يمثل الصراع في مناطق شرق الفرات فرصة ثمينة للفصائل الإيرانية وتنظيم “داعش”، المصنف جماعة “إرهابية” في الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى، يمّكنهما من استغلال الفوضى وتشتيت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) والقوات المحلية، بحسب ما كتبه محمد حسن في معهد الشرق الأوسط، مضيفاً: “وقد عملت الحكومة السورية وإيران خلال هذا الصراع على تسهيل نقل الأسلحة والذخيرة وحركة مقاتلي العشائر إلى مناطق شرق الفرات لإطالة أمد الأزمة، أملاً في إخراج القوات الأميركية من تلك المنطقة التي تتواجد فيها كجزءٍ من قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق”.
ويلفت حسن إلى أن اعتقال “قسد” لـ أحمد الخبيل، المعروف باسم أبو خولة، في أواخر آب/أغسطس 2023، تم بناءً على توجيهات تلقتها من التحالف الدولي، بناء على أدلة تشير إلى وجود قنوات اتصال بين الخبيل وفصائل مدعومة من إيران غرب الفرات.
ومن جهته يقول سامر الأحمد لـ”963+”، وهو من أبناء الحسكة وباحث في “مركز عمران للدراسات”: “عملت إيران دائماً على الاستثمار في الحالة العشائرية لبناء كيانات مسلحة يواكبها تغيير مذهبي، وقد نجحت في تحقيق بعض أهدافها، على الأقل في المنطقة التي أعرفها، أي الحسكة والقامشلي ودير الزور، لكنها حققت كل أهدافها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، حيث استقطبت عدداً من العشائر وجعلت منها فصائل عشائرية موالية لها، أبرزها ’لواء الهاشميون‘. فأغلبية أفراده من قبيلة المشاهدة، وينشط في مدينة البوكمال مدعوماً من ’الحرس الثوري الإيراني‘ والفصائل العراقية الموجودة هناك. وهناك ’لواء الباقر‘ الذي ينتمي أغلبية أفراده إلى قبيلة البقارة، وينشط في مدينة دير الزور وما حولها، إضافة إلى فصيل عشائري له علاقة ’بالحرس الثوري‘، تم تشكيله بعد انتفاضة العشائر في صيف العام الماضي”.
ووفقاً للحايك، “تساهم الفصائل المذهبية في تعزيز قوة إيران وتأمين مصالحها الاستراتيجية عبر إدارة المناطق المحلية وحماية المواقع الدينية، كمقام السيدة زينب في دمشق. وإلى جانبها، تتولى فصائل أخرى مثل “فيلق المدافعين عن حلب” مهام المشاركة المجتمعية نيابةً عن طموح طهران في اختراق المجتمع المحلي، من خلال إظهار المشروع الإيراني بمظهر المتسامح والمنقذ”.
من خلال هذه الفصائل، تسعى إيران إلى بناء تحالفات مع العشائر العربية واختراقها وتحويلها تدريجياً نحو المذهب الشيعي، مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة والحاجة الماسة إلى الدعم. وعليه، يعد الاستثمار الإيراني مزيجاً من جهود عسكرية ومجتمعية لتحقيق أهداف استراتيجية، لكنه يستلزم توازناً دقيقاً لتجنب تفاقم التوترات الطائفية والمجتمعية. وهذه مقاربة تعكس، بحسب الحايك، “تعزيز إيران تأثيرها في المنطقة من خلال استراتيجيات معقدة تمزج القوة العسكرية بالدهاء السياسي والمجتمعي”.
وثيقة نسل السادة الأشراف
في عام 2021، شكّلت إيران ممن تحولوا إلى المذهب الشيعي “لواء الهاشميون” بقيادة أبو عيسى المشهداني، ليعمل “اللواء” على بسط نفوذه على زعماء العشائر المحلية وإقناعهم، إلى جانب غيرهم من القادة المؤثرين ورجال الدين، بالانضمام إلى مجلس قبائل وعشائر وادي الفرات التابع لإيران، “بهدف نشر التشييع في المنطقة”.
وبحسب الحايك، هناك حركات أخرى مؤيدة لطهران منها “حركة أبناء الجزيرة والفرات” و”قوات القبائل والعشائر العربية” و”لواء أسود العقيدات” و”لواء أسود العشائر” و”فوج العشائر الهاشمية”، حيث تتواجد أغلبها في دير الزور.
إيران مستمرة
يرجح الحايك مواصلة “الحرس الثوري الإيراني” بذل كل الجهود لتحويل سكان دير الزور إلى الإسلام الشيعي.
وأشارت تقارير صحفية إلى أن إيران تسعى من خلال تمددها في الجزيرة السورية، إلى أن تكون “شريكة فاعلة في أي اتفاق بشأن مستقبل المنطقة، لا سيما أن هذه الدول الثلاث تجتمع على مطالبة القوات الأميركية بالانسحاب من المنطقة”.