في أعقاب التحولات السياسية والاقتصادية بما في ذلك رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، وبعد أكثر من عقدٍ من العزلة المالية، تستعد سوريا لإعادة الاتصال بنظام ‘‘سويفت’’ للمدفوعات الدولية، تحولٌ يرى فيه خبراء أنه سيوجّه دفة الاقتصاد السوري المنهك نحو الانتعاش، وسيعيد البلاد تدريجياً إلى قلب النظام المالي العالمي، ولكنه قد يواجه تحديات تشمل الإصلاحات الاقتصادية والمصرفية اللازمة لتلبية متطلبات ‘‘سويفت’’ إضافة إلى المخاوف الأمنية والسياسية المتعلقة بالإدارة الانتقالية في سوريا.
ما هو نظام ‘‘سويفت’’؟
نظام ‘‘سويفت’’ هو نظام عالمي للمراسلة المالية بين البنوك، يربط أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، تأسس عام 1973 ويقع مقره الرئيسي في العاصمة البلجيكية بروكسل. يُستخدم هذا النظام لتحويل ملايين الرسائل المالية بشكل يومي بسرعة وأمان.
كما يُستخدم نظام ‘‘سويفت’’ كأداة ضغط اقتصادي فعالة، حيث أن استبعاد دولة ما منه يُعد نوعاً من العقوبات الاقتصادية الدولية التي تعزل المؤسسات المالية للدولة عن النظام المصرفي العالمي وتعيق قدرتها على تنفيذ المعاملات الدولية، وفي الحالة السورية، لا يمكن تلقي التبرعات والتمويل من مصادر خارجية وبدء إعادة إعمار سوريا، دون ربطها بنظام ‘‘سويفت’’.
وكان حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، كشف في تصريحات لصحيفة “فايننشال تايمز”، أن سوريا تستعد للعودة إلى نظام “سويفت” العالمي للمدفوعات الدولية خلال الأسابيع المقبلة، موضحاً أن ذلك سيسهم في تسهيل حركة التجارة الخارجية، وخفض تكاليف الاستيراد، وتشجيع الصادرات، إضافة إلى جذب العملة الصعبة التي تحتاجها سوريا بشدة.
وأعلن صندوق النقد الدولي، في بيان، أن بعثته إلى سوريا ناقشت إعادة بناء الثقة في البنوك وإعادة الارتباط بالنظام المالي الدولي، واعتماد موازنة لما تبقى من عام 2025 وتحديد الموارد المتاحة، وأكد البيان أنه وبناءً على نتائج البعثة يعمل موظفو صندوق النقد الدولي على وضع خريطة طريق مفصَّلة لأولويات السياسات وبناء القدرات للمؤسسات الاقتصادية الرئيسة.
اقرأ أيضاً: للمرة الأولى منذ 18 عاماً.. بعثة من صندوق النقد الدولي تزور سوريا
أهمية العودة لنظام ‘‘سويفت’’
في تصريحات لـ‘‘+963’’، يوضح المحامي الدولي والمختص في الشأن الأميركي، المقيم في واشنطن، الدكتور خالد الشمري، أن عودة سوريا لنظام ‘‘سويفت’’ ستُمكن البنوك السورية من استئناف التعاملات مع البنوك العالمية، مما ينعكس إيجاباً على حركة التجارة والاستثمار، كما ستدعم حركة الاستيراد والتصدير كون الاقتصاد السوري يعتمد حالياً على وسائل بديلة ومكلفة لتحويل الأموال.
ويتابع الشمري قائلاً: ‘‘باعتبار أن المستثمر الأجنبي يبحث عن بيئة مالية مستقرة وشفافة، فإن عودة سوريا لنظام سويفت فعّال سيعزز ثقة المستثمرين في البيئة المصرفية السورية وقد يشجع على ضخ رؤوس أموال جديدة في قطاعات متنوعة’’. ويضيف بأنّ الاندماج مجدّداً في النظام المصرفي العالمي سيدفع البنوك السورية لتحديث أنظمتها المالية والتقنية، مما يرفع كفاءتها التشغيلية ويزيد من تنافسيتها.
وبدوره، يقول الباحث الاقتصادي السوري، خورشيد عليكا، في تصريحات لـ‘‘+963’’ أن عودة سوريا لنظام ‘‘سويفت’’ لها مكاسب اقتصادية متعددة منها، جذب الاستثمارات الأجنبية وخاصة الاستثمار المباشر، تسهيل التجارة الدولية، تسهيل تحويلات المغتربين من وإلى سوريا من أجل المساهمة في إعادة الإعمار وتحويل المنح والمساعدات المالية إلى سوريا.
ويضيف عليكا، أن ‘‘العودة إلى سويفت ستساهم أيضاً في إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، دعم التعافي الاقتصادي من خلال دعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، زيادة الثقة بالقطاع المصرفي السوري، تقليل الاعتماد على الشبكات الغير الرسمية وسيقلل ذلك من مخاطر تبيض الأموال وتمويل الإرهاب’’.
العودة لنظام ‘‘سويفت’’ قد تشجع الشركات والمؤسسات الدولية على إعادة تقييم فرص الاستثمار في سوريا، خاصة في ظل الحاجة الملحة لإعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية. ورغم كل ذلك هناك شروط وعملية التحويلات المالية لن تكون بمنتهى السهولة، وفق عليكا.
اقرأ أيضاً: سوريا تقترب من العودة إلى نظام “سويفت” بعد أكثر من عقد من العزلة المالية
التحديات والعواقب المحتملة
ورغم المكاسب الاقتصادية من عودة سوريا إلى نظام ‘‘سويفت’’، قد تواجه هذه العودة تحديات وعواقب محتملة مرتبطة بالأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية في سوريا، في هذا السياق، عقّب عليكا قائلاً: ‘‘رفع العقوبات عن سوريا ليس كامل بل هو رفع جزئي ومشروط. وبالتالي، ستتردد العديد من البنوك والمؤسسات المالية في الانخراط في تعاملات مع البنوك السورية إذا كان أفق التعامل محدوداً بفترة مؤقتة مثل ستة أشهر فقط واحتمال عودة العقوبات مجدداً في حال عدم استجابة القيادة في دمشق للمطالب الدولية وخاصة الشروط التي وضعها الرئيس ترامب مع الشرع وطالبه بضرورة الاستجابة لها’’.
ويضيف الباحث الاقتصادي، هناك قرارات خاصة بالبنوك والمؤسسات المالية حول العالم وتخضع لمعايير المخاطر وتحتاج لفترة اختبار وجس نبض من قبل البنوك للوضع السوري الأمني والسياسي والمصرفي والاقتصادي والقانوني، كما أنه بحسب عليكا، هناك تحديات هيكلية واضحة تتمثل في البنية التحتية المدمرة، والفساد المستشري، وضعف البيئة القانونية، وانهيار القطاع الإنتاجي.
أمّا الشمري فيشير إلى أنه رغم التحركات الإقليمية لعودة سوريا للمحيط العربي والدولي، لا تزال العقوبات الدولية تشكل عائقاً أمام إعادة دمج البنوك السورية في النظام المالي العالمي، قائلاً: ‘‘عودة سوريا قد تصطدم بحزم العقوبات مثل قانون قيصر’’.
كما أن سنوات الحرب والانهيار الاقتصادي أدت إلى تآكل قدرات البنوك السورية على مستوى الكوادر والتكنولوجيا، لذا العودة إلى ‘‘سويفت’’ ستتطلب استثمارات كبيرة في تدريب الموظفين وتحديث الأنظمة، بحسب الشمري الذي نوّه أيضاً إلى أن هناك مخاوف دولية من استغلال العودة في عمليات غير شرعية كغسيل الأموال أو تمويل شبكات غير قانونية، مما قد يعرض البنوك السورية لعقوبات جديدة أو لقيود إضافية من الدول الغربية.
ويضيف المحامي الدولي والمختص في الشأن الأميركي، أنه ‘‘رغم الانفتاح النسبي من بعض الدول، لكن ثقة المجتمع الدولي بالنظام المصرفي السوري تحتاج إلى وقت طويل لاستعادتها، وسيتطلب الأمر خطوات واقعية من قبل الإدارة السورية كإجراء إصلاحات شاملة في نظامها المصرفي والاقتصادي لتلبية معايير سويفت، بما في ذلك تحسين الإطار التنظيمي وتعزيز الشفافية والقضاء على الفساد’’.
وعلى الصعيد الاستثماري، يؤكد الشمري على أن المستثمر الأجنبي والعربي يبحث عن استقرار تشريعي، ووضوح في القوانين، وسهولة في إجراءات التأسيس، بالإضافة إلى القدرة على استرداد الأرباح دون قيود، وبالتالي فإن الحكومة السورية مطالبة بمواصلة الإصلاحات وتقديم ضمانات حقيقية تشجع رأس المال المحلي والدولي على الدخول.
اقرأ أيضاً: ما بعد رفع العقوبات عن سوريا.. الاستثمار الزراعي والأمن الغذائي
المخاطر الأمنية السيبرانية
وإلى جانب مجموعة العواقب والتحديات الآنفة الذكر، يحذّر الشمري من أن هناك مخاطر أمنية سيبرانية مرتبطة بإعادة دمج النظام المصرفي السوري في المنظومة المالية العالمية، بسبب غياب أي نظام حوكمي أمني سيبراني فعلي في القطاع المالي السوري، وانعدام البنية التحتية الرقمية الآمنة، قائلاً: ‘‘بفعل الحرب والعزلة لم تُحدّث البنوك السورية أنظمتها الأمنية والتقنية منذ سنوات، وفيها ثغرات أمنية كثيرة ما يجعلها عرضة للاختراق بسهولة’’.
ويعتقد المحامي الدولي من أن العودة إلى نظام ‘‘سويفت’’ قد تتحول إلى كارثة أمنية إذا لم تسبقها إجراءات قوية في مجال الأمن السيبراني، منها تحديث البنية التحتية الرقمية للمصارف، وتدريب الكوادر البشرية على الأمن السيبراني، وإنشاء هيئة رقابية مستقلة للأمن المالي السيبراني والتعاون مع مؤسسات دولية لتطبيق أفضل الممارسات.
في المحصلة، عودة سوريا لنظام ‘‘سويفت’’ يمكن أن تكون فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد السوري والتسريع في إعادة الإعمار، لكنها قد تواجه تحديات كبيرة، تتعلق بمدى تجاوب الإدارة الانتقالية في سوريا مع المطالب الدولية واتخاذ إجراءات حاسمة مثل إعادة تأهيل القنوات المالية الرسمية لتلبية متطلبات ‘‘سويفت’’ مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية.