شهدت العاصمة السعودية الرياض أمس الثلاثاء، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي، عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في قرار وصف بـ”التاريخي” ويتوقع أن يكون له تأثير كبير على مسار الأحداث في سوريا، من حيث بدء التعافي الاقتصادي وإعادة وضع البلاد على السكة السليمة والمسار الصحيح بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب الطاحنة التي دمرت جميع مقدراتها.
ترامب، قال في كلمة خلال المنتدى “إن في سوريا حكومة جديدة نأمل في أن تتمكن من تحقيق الاستقرار في بلد شهدت الكثير من البؤس”، مضيفاً أن “واشنطن سترفع العقوبات المفروضة على سوريا لمنح السوريين فرصة جديدة، وتم اتخاذ الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع سوريا”، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو سيلتقي نظيره السوري أسعد الشيباني في تركيا نهاية الأسبوع.
بدأت في السبعينيات
ورغم أن الولايات المتحدة ضاعفت من العقوبات المفروضة على سوريا بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، بسبب ما وصفته واشنطن حينها بقمع نظام بشار الأسد للمتظاهرين السلميين وانتهاكاته بحق المدنيين، إلا أن تاريخ العقوبات الأميركية يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما أدرجت واشنطن سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1979، بسبب دعمها لفصائل فلسطينية وتدخلها في شؤون لبنان، ما وضع البلاد تحت وطأة مجموعة من القيود بينها حظر تصدير الأسلحة إليها.
قانون محاسبة سوريا
وفي عام 2003، أقرت الولايات المتحدة “قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”، والذي تبناه الكونجرس الأميركي، واستند القانون إلى اتهام النظام السابق بدعم الإرهاب، واستمرار وجود الجيش السوري في لبنان، والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل وصواريخ باليتسية، وتقويض جهود الاستقرار في العراق المجاور، ليصدر الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الابن، في أيار/ مايو 2004، الأمر التنفيذي 13338، القاضي بفرض عقوبات إضافية على سوريا بموجب قانون السلطات الاقتصادية الدولية الطارئة (IEEPA)، شملت حظر تصدير بعض السلع، وتجميد أرصدة مسؤولين سوريين، وتعليق الرحلات الجوية.
في نيسان/ أبريل عام 2005، وفي أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بانفجار في بيروت، أصدر بوش الأمر التنفيذي رقم 13399، الذي استهدف المسؤولين عن عملية الاغتيال، كما أصدر في شباط/ فبراير 2008، الأمر التنفيذي رقم 13460، القاضي بمعاقبة المتورطين في أعمال الفساد العام التي مكّنت نظام بشار الأسد من مواصلة سلوكياته المرفوضة دولياً.
اقرأ أيضاً: رفع العقوبات الأميركية يُنعش الآمال بتحسن الأوضاع شمال غربي سوريا – 963+
الاحتجاجات الشعبية وانتهاكات حقوق الإنسان
كما أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما في أبريل عام 2011، الأمر التنفيذي رقم 13572، الذي وسّع حالة الطوارئ مع سوريا، لتشمل انتهاكات حقوق الإنسان، بوصفها تهديداً غير عادي للأمن القومي الأميركي، ثم الأمر التنفيذي رقم 13573 في أيار/ مايو من نفس العام، والذي استهدف مسؤولين كبار في النظام السوري المخلوع بمن فيهم رئيسه بشار الأسد، قبل أن يصدر الأمر رقم 13582 في آب/ أغسطس 2011، القاضي بتجميد ممتلكات النظام السوري، وحظر استثمار الأشخاص الأميركيين في سوريا أو تصدير الخدمات إليها، وحظر استيراد النفط والمنتجات النفطية ذات المنشأ السوري.
وصدر الأمر التنفيذي رقم 13606، عن الرئيس الأميركي في أبريل 2012، المتضمن معاقبة من يساعدون النظامين السوري والإيراني على انتهاك حقوق الإنسان عبر تكنولوجيا المراقبة وغيرها، ليصدر في مايو من نفس العام الأمر رقم 13608، القاضي باستهداف الأشخاص والشركات الأجنبية التي تساعد في التهرب من العقوبات المفروضة على سوريا وإيران.
“قانون قيصر”
لكن العقوبات الأقسى والتي وصفت بـ”القشة التي قصمت ظهر البعير” وأدت لتدهور الاقتصاد السوري وانهيار كبير في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، هي العقوبات التي أقرها الكونجرس الأميركي تحت مسمى “قانون قيصر” عام 2019، ودخلت حيز التنفيذ في حزيران/ يونيو عام 2020، حيث وسّع القانون نطاق العقوبات بشكل غير مسبوق ليشمل الأطراف الأجنبية التي تدعم نظام بشار الأسد، واستهدف أي جهات أو أفراد يقدمون دعماً مالياً أو تقنياً كبيراً للنظام أو أي شيء من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية، أو يشاركون في مشاريع إعادة الإعمار لصالحه.
واستوحي اسم “قانون قيصر” من المصور العسكري المنشق عن نظام بشار الأسد والذي أطلق على نفسه “قيصر” و سرّب آلاف الصور التي توثق تعذيب وقتل معتقلين في سجون وأقبية النظام، بعد نجاحه بالهروب خارج سوريا، قبل أن يكشف عن شخصيته الحقيقية بعد سقوط النظام مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأنه المساعد فريد المذهان من محافظة درعا الجنوبية.
وانقسمت العقوبات الأميركية على سوريا بين اقتصادية، وشملت حظراً شبه كامل على التعامل التجاري والمالي مع سوريا، إلى الجانب العقوبات السياسية والديبلوماسية المتضمنة إجراءات ديبلوماسية لعزل النظام المخلوع، حيث علّقت واشنطن التمثيل الديبلوماسي منذ 2012، وأغلقت سفارتها في دمشق، ومنعت المسؤولين السوريين من دخول أراضيها، وأدرجت البلاد في برامج حظر السفر والهجرة.
اقرأ أيضاً: أنباء عن اجتماع بين الإدارة السورية الانتقالية والإدارة الذاتية
كما أدرجت الولايات المتحدة مئات الشخصيات السورية، بينهم مسؤولون حكوميون وأمنيون رفيعو المستوى بما في ذلك بشار الأسد وعائلته وكبار الضباط، ورجال أعمال بارزون معروفون بتمويلهم للنظام كسامر فوز ومحمد حمشو وغيرهم، شملت تجميد أصولهم المالية في الولاية القضائية الأميركية، كما منعت أي شخص أو شركة أميركية من التعامل معهم مالياً أو تجارياً، ومنع دخولهم إلى الأراضي الأميركية.
توقعات بتحول جذري بعد قرار ترامب
وبحسب محللين وخبراء اقتصاديين، فإنه “من المتوقع أن يؤدي قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، إلى تحوّل جذري في الاقتصاد السوري، من خلال فتح الأسواق أمام السلع الأساسية، وتسهيل دخول المواد الغذائية والدوائية، وإنعاش الإنتاج المحلي وتعزيز الاكتفاء الذاتي، رغم التحديات المستمرة التي تواجه الاقتصاد السوري”.
وإلى جانب ذلك، فإنه من المتوقع بحسب الخبراء، أن “يؤدي القرار إلى التأثير على دول أوروبية من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مما يخلق مناخاً مشجعاً للاستثمار، حيث أن وجود بيئة استثمارية مستقرة يعد عاملاً أساسياً لعودة المستثمرين المحليين والدوليين إلى السوق السورية.
ومن الممكن أن يؤدي رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، إلى “إعادة الزخم إلى مشاريع إعادة الإعمار، لاسيما في البنية التحتية المتضررة مثل المدارس والمستشفيات والطرق، وقد يتم رؤية مدخلاً لإطلاق مشاريع واسعة في قطاعات الطاقة والسياحة والزراعة، ووضع الأسس لبناء اقتصاد جديد بعد سنوات من الحرب والدمار”.
