عوائق وعقبات عديدة تقف أمام إعادة بناء الاقتصاد في سوريا بعد 14عاماً على حربٍ دمرت معظم البنية التحتية في البلاد، فعملية التعافي الاقتصادي كما هو معروف تحتاج إلى خطوات تتضمن بالتأكيد إلغاء العقوبات بشكل رئيسي وما قد يتبع ذلك من خطوات انتعاش القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز والبنوك والاستثمارات وإعادة الإعمار. لكن هناك تحدياً بالغ التعقيد قد يعمق الأزمة الاقتصادية في سوريا قائم على نشوء أربع مناطق اقتصادية مستقلة خلال السنوات الماضية لكل منها نظامها المالي وسياساتها التجارية وعملتها الخاصة.
ويمثل استمرار عدم توحيد الاقتصاد السوري مشكلة كبيرة واختباراً حقيقياً للإدارة الانتقالية وذلك من خلال دفعها للقيام بإصلاحات جذرية وتسويات سياسية تهدف بالدرجة الأولى إلى تجاوز الانقسامات بالتالي الوصول إلى توافقات واتفاقات شاملة بين كافة الأطراف.
الأمل بالاتفاقيات
يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور زياد أيوب عربش إن اقتصاد سوريا في الوقت الراهن هو اقتصاد متقطع الأوصال جغرافياً وقطاعياً، ودون اندماج مكونات النشاط الاقتصادي بمفهومه الواسع مع الناحية الاجتماعية والبيئية وبآجال زمنية متكاملة فيما بينها، سيما إذا لاحظنا ضعف التبادل البيني تجارةً واستثماراً وعمالةً بين مختلف الجغرافيا السورية، من مناطق شرق الفرات التي تمتلك أهم الموارد الاستراتيجية (والتي ليس أقلها النفط والغاز والقمح..)، بينما بقية المناطق تعاني ليس فقط من عدم توفرها بل من صعوبات تأمين فاتورة القطع الأجنبي والعوائق المتعددة لاستيراد كميات ملحة من المشتقات لدورات عجلة الإنتاج وتجاوز العقوبات.
وأضاف في العدد السادس من صحيفة “963+”: “الأمل هنا بتنفيذ كامل الاتفاقات التي عقدت الشهر الماضي مع قوات سوريا الديموقراطية والمنطقة الجنوبية وبحيث يعمل الجميع ضمن ما أطلق عليه عقد وطني جامع بشقيه العقد الاجتماعي (الضامن لحقوق ومواطنة الجميع ودون أي استثناء) والعقد الاقتصادي (كهوية اقتصادية يجد كلٌ سوريّ وسورية المكانة المصونة ضمن كنف مؤسسات الدولة). وترجمة ذلك عملياً من خلال تحديد من ينتج الثروة وكيف تتم عملية توزيعها بالطبع كل ذلك بإعادة صياغة كل الاتفاقيات مع دول الجوار لتنظيم عمليات التبادل عبر المنافذ الجمركية الرسمية”.
واستمرار هذه المناطق المفككة اقتصادياً، بحسب الدكتور عربش، يُعيق بلوغ مفهوم الأمة المؤتلفه (incorporated nation)، أي المجتمع المكون من كامل فئاته ومشاربه ضمن اللامركزية اي بمقاربات اقتصاديات المكان والمحليات ضمن سوريا الواحدة، والتي تمثل المسألة التنموية أهم مرتكزات تجميع المجزء ودرء محاولات التقسيم المبتذلة تحت شعارات تعاكس أية عقلانية اقتصادية وطنية جامعة موحدة.
أبرز التحديات
يرى أحمد العبود، الأستاذ في كلية الاقتصاد والمالية بجامعة بورتسموث البريطانية، أن المناطق الاقتصادية في سوريا التي تعمل بشكل مستقل تعتبر أمراً شائكاً للغاية وتؤدي إلى ظهور أنظمة مالية غير متباينة وعملات مختلفة مع عدم وجود سياسات اقتصادية موحدة ما سيؤثر على القوانين المالية والتجارية يضاف إلى ذلك انعدام الثقة بين المستثمرين بسبب انعدام الاستقرار وعدم التوحد وكل ذلك يلعب دوراً حاسماً في قدرة الاقتصاد السوري على التعافي.
وقال في العدد السادس لصحيفة “963+” إن أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري في الوقت الحالي هي العقوبات المفروضة وعدم وجود بنية تحتية من ماء وكهرباء وغيرها والتي تحتاج إلى استثمارات ضخمة، وماهو ملاحظ في سوريا أن هناك انكماش كبير في الصناعة والزراعة، كما يواجه الاقتصاد السوري عدم وجود استثمارات داخلية أو خارجية لدعم خطة النمو الاقتصادي إلى جانب ضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية وحاجة القطاع المصرفي للتطوير.
ولعل أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا على اختلاف المناطق هي دمار البنية التحتية وتآكل الطبقة الوسطى مع تفاقم الفجوة الطبقية، وانتشار التهريب والاقتصاد غير المشروع، وأزمة ملايين النازحين واللاجئين داخل البلاد وخارجها بالتالي فقدان الاقتصاد الكثير من الكفاءات والعمالة.
توقعات إيجابية وسلبية
يتحدث عربش عن الحلول الإسعافية والسريعة قائلاً: “كسياسة اقتصادية يتحتم بلوغ التناسق الكامل لعمل وزارة الاقتصاد التي تضم التجارة الداخلية والخارجية والصناعة ووزارت المالية والزراعة وهيئات الجمارك والاستثمار والضرائب بهدف استعجال تنفيذ خطة اقتصادية مع تكاملها بصياغة رؤية اقتصادية طويلة الأجل بحيث يلعب القطاع الاقتصادي العام الاداري والانتاج الدور المحوري في انتشال الاقتصاد المنهك، أي عدم الانجرار وراء مقولات بأن السوق الحر لوحده يؤدي إلى النهوض تلقائياً.
ويتساءل عربش: “كيف تدير اقتصاداً بإدارة تم رفد جزء كبير من كوادرها وأنت بحاجة لمواجهة مسائل جوهرية كمتابعة خدمات التعليم والصحة خاصة مع عودة المهجرين، إضافة إلىى مسائل البيئة الاستثمارية والمناطق الصناعية وتأهيل الكوادر المحلية لرفد سوق العمل للفعاليات الاقتصادية، فليس من المعقول وجود عشرات الآلاف من المباني والمقرات الحكومية والأراضي غير المستغلة وهناك أسر بأكملها تبحث عن مسكن، بالطبع مع مواجهة التحديات الاجتماعية للطبقات الأشد حاجةً بتأمين حد أدنى من سبل العيش وزيادة القدرة الشرائية لجميع السوريين”.
ويؤكد على أهمية تغليب الفكر المؤسساتي الجامع، كبيئة تنظيمية وتشريعية وكبنية خدمية للنشاط الاقتصادي، وضرورة الشفافية التامة لأي طرح حوكمي للنشاط الاقتصادي واعتماد سياسة الباب المفتوح أي التشاركية في إعداد وتنفيذ وتتبع الخطة، كل ذلك سيفعل الطاقات المحلية ويجذب الاستثمارات السورية الداخلية قبل الخارجية والأجنبية، وبالتالي معاكسة الاتجاهات الحالية، حيث أن نهوض سوريا اقتصادياً يعني تجنب أي دائرة للعنف والمساهمة في تحقيق الاستقرار الضروري لكل دول المنطقة.
وتوقع أحمد العبود، أن تحمل الفترة المقبلة فيما يتعلق بالاقتصاد السوري سيناريو “خليط” بين السلبي والإيجابي بمعنى أن تشهد بعض القطاعات تحسناً جزئياَ وفي الوقت نفسه سيكون هناك بالطرف المقابل تدهور وركود وضعف المؤشرات الاقتصادية وعدم القدرة على تحقيق نمو شامل.
وأشار العبود إلى أن كل هذه التوقعات ترتبط بشكل رئيسي باستقرار الأوضاع في سوريا وقدرة الحكومة على وضع خطط استراتيجية لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية داخل البلاد مع إمكانية تأمين الاستثمارات الأجنبية بالشكل المطلوب.
نشرت هذه المادة في العدد السادس من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 11 نيسان /إبريل 2025.
لتحميل كامل العدد الرابع من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+