من شباب السنة إلى الحل الكامل.. اللواء الثامن ينهي وجوده بعد مقتل بلال الدروبي

لم يكن مقتل القيادي السابق بلال الدروبي حدثاً عابراً في مدينة بصرى الشام، بل مثل شرارة أشعلت سلسلة من التحركات الأمنية والسياسية المتسارعة، قادت في نهاية المطاف إلى ما يمكن اعتباره نهاية فعلية للواء الثامن، أحد أبرز التشكيلات العسكرية شبه المستقلة في الجنوب السوري.

وفي تطور مفصلي، أُعلن أمس الأحد رسمياً حلّ اللواء الثامن وتسليم مقدراته العسكرية والبشرية إلى وزارة الدفاع السورية، في خطوة وُصفت بأنها “تاريخية” ضمن سياق إعادة ترتيب المشهد الأمني في محافظة درعا، بعد سنوات من النفوذ المستقل الذي تمتع به اللواء بقيادة أحمد العودة.

العقيد محمد الحوراني (أبو عصام) ظهر في بيان مصوّر ليعلن القرار، مؤكدًا أن اللواء “استجاب للتوجهات الوطنية” وأن النقيب محمد القادري قد كُلّف بمتابعة إجراءات التسليم والتنسيق مع الجهات الرسمية. وبذلك يُطوى فصل طويل من تشكيلٍ نشأ من قلب المعارضة المسلحة، ليعود تحت مظلة الدولة.

الشرارة: مقتل بلال الدروبي

في صباح 12 نيسان/ أبريل، فارق بلال الدروبي الحياة متأثراً بإصابته بطلقات نارية مباشرة خلال محاولة اغتيال وقعت في قلب مدينة بصرى الشام. ورغم أن الدروبي كان قد خرج من صفوف اللواء الثامن قبل فترة، إلا أن التحقيقات الأولية وجّهت أصابع الاتهام إلى مسلحين سابقين من داخل اللواء.

ساعات بعد وفاته، تحوّلت المدينة إلى مركز احتجاج وغضب، حيث خرجت دعوات من مكبرات الصوت في المساجد تطالب بعدم دفن جثمانه قبل محاسبة المسؤولين عن اغتياله. أحد أقاربه صرح لموقع “963+”: “لن نقبل أن يُدفن بلال قبل أن يُحاسب قاتلوه. نحمل أحمد العودة شخصيًا المسؤولية”.

اتهامات مباشرة وُجهت إلى قياديين بارزين داخل اللواء: أحمد الطعمة (المعروف بالكاسر) وعبد الكريم الدوس (الملقب بالسفاح)، بصفتهما من أعطيا أوامر تنفيذ عملية الاغتيال، بحسب مصادر محلية.

ورداً على الحادثة، أطلقت قوات الأمن العام حملة أمنية واسعة شملت سلسلة مداهمات واعتقالات في مناطق متعددة من ريف درعا الشرقي، طالت عناصر من اللواء الثامن والفيلق الخامس. قرى مثل صيدا، الجيزة، المسيفرة، معربة، والمتاعية كانت في صلب هذه الحملة.

وبالتوازي، بدأ بعض القادة المحليين داخل اللواء بتسليم أسلحتهم طوعاً، ومن بينهم القيادي المعروف بـ”أبو أكرم” الذي أعلن تسليم كافة العتاد والسلاح الذي بحوزته.

مسؤول أمني صرّح لـ”963+” أن الإجراءات تأتي ضمن “اتفاق جديد لنزع سلاح اللواء الثامن بالكامل”، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة هيكلة للمشهد الأمني ضمن مناطق نفوذ اللواء سابقاً.

حصار ومفاوضات: الضغط يتصاعد

في ذروة التوتر، فُرض حصار محكم على مدينة بصرى الشام، مع تعزيزات أمنية مشددة وإغلاق للمداخل. مفاوضات شاقة جرت بين قوات الأمن العام من جهة، وقيادة الفيلق الخامس واللواء الثامن من جهة أخرى، تمحورت حول تسليم السلاح والخضوع الكامل لإدارة الدولة.

مصدر أمني أكد لـ”963+” أن “قوات من العشائر في السويداء أبدت استعدادها للتدخل ودعم عملية اقتحام محتملة للمدينة في حال فشلت المفاوضات”، وهو ما شكّل ورقة ضغط إضافية على قيادة اللواء.

ولم يكن اللواء الثامن مجرد تشكيل عسكري، بل انعكاس لتطورات الصراع في الجنوب السوري. تشكل عام 2018 بعد اتفاق التسوية، ليكون واجهة للفيلق الخامس المدعوم روسيًا، بقيادة أحمد العودة، القائد السابق لفصيل “شباب السنة” الذي كان من أقوى تشكيلات المعارضة في درعا قبل عام 2018.

وشارك “شباب السنة” في معارك حاسمة ضد قوات النظام وتنظيم “داعش”، إلا أن تسوية 2018 منحته غطاء رسمياً دون أن يفقد استقلاليته الميدانية، خصوصًا في بصرى الشام.

ورغم اعتراف البعض بفعالية اللواء في محاربة خلايا “داعش” لاحقاً، إلا أن اتهامات متكررة لاحقته بإدارة سجون سرية، وفرض سلطة أمنية فوق القانون، ما ولّد احتقاناً شعبياً ظلّ يتصاعد حتى لحظة الانفجار.

اتفاق تسليم المتورطين

ضمن إطار اتفاق التسليم الشامل، سلّمت قيادة اللواء كلاً من أشرف الدروبي المقداد وفايز العمر المقداد، المتهمين بالمشاركة في اغتيال بلال الدروبي. كما تم تسليم أسلحة العناصر في معظم المناطق التابعة للواء، بما فيها بصرى الشام.

وفي تطور دراماتيكي، داهمت قوات الأمن العام “سجن أبو ناصر” السري داخل المدينة، وعثرت فيه على 14 سجينًا، تم نقلهم لاحقًا إلى سجون رسمية لمتابعة التحقيقات. السجن يُدار من قِبل القيادي أبو ناصر المقداد، وتبيّن أنه واحد من عدة معتقلات غير رسمية يديرها اللواء، من بينها سجن داخل قلعة بصرى، لا تزال السيطرة عليه محل تفاوض.

وبإعلان حل اللواء، يُغلق ملف أحد أبرز الفصائل التي ظهرت بعد التسوية في الجنوب السوري، وسط حالة ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية في درعا.