خاص – حبيب شحادة/بيروت
“يجب أن أدفع سبعة ملايين ليرة سورية الآن، وإلا يُطرد ابني من الروضة”. هكذا تصف نسرين مشكلتها مع الروضة التي يدرس فيها ابنها، والرسوم المتراكمة عليها.
تعمل نسرين (43 عاماً) في مدرسة حكومية في دمشق، وتقول لـ”963+” إن هذا المبلغ مطلوب “لتثبيت اسم ابنها وحجز مقعد له في الروضة للعام المقبل، على أن تُدفع خلال أيار/مايو الجاري، وإلا يخسر ابني فرصة استمراره في هذه الروضة، فيتيغر عليه الجو ويتبدّل رفاقه فيتأثر بالأمر”.
تعبّر الأسر السورية في دمشق عن استيائها من عدم قدرة وزارة التربية على ضبط أقساط المدارس الخاصة ورياض الأطفال، مؤكدين أنهم يعانون سنوياً من تسليع المدارس الخاصة العملية التعليمية على حساب الطلاب وذويهم، في ظل وضع اقتصادي متردٍ، ووقوع أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
من الخاص إلى الرسمي
توضح نسرين أنّ مبلغ سبعة ملايين هو “دفعة أولى فقط”، مشيرة إلى أنّ مدرسة ابنها لم تحدد بعد كامل القسط على الرغم من تحديد وزارة التربية في الحكومة السورية قيمة القسط السنوي لرياض الأطفال بـ 3,7 ملايين ليرة، شاملة كافة الخدمات.
وتضيف نسرين أنها تفكر في نقل ابنها إلى مدرسة حكومية في العام المقبل، لعجزها عن دفع تلك المبالغ “الخيالية” لمرحلة رياض الأطفال، “فقسط روضة ابني في العام الفائت كان ستة ملايين ليرة، وحصلت عليها بقرض على راتبي من المصرف العقاري، وما زلت أسدده إلى اليوم”.
وعلى الرغم من غياب أي إحصاءات حقيقية عن نسبة المنتقلين من المدارس والروضات الخاصة إلى الرسمية، أو عددهم، فإن هذه الظاهرة متزايدة في سوريا راهناً، وتحديداً في العاصمة دمشق، حيث يعاني الكثير من الأسر وضعاً اقتصادياً صعباً، نتيجة الأزمة الاقتصادية وتراجع قيمة الليرة السورية، وبالتالي القيمة الشرائية لمداخيلهم.
أقساط حكومية “وهمية”
في آذار/مارس الفائت، حددت وزارة التربية أقساط المدارس الخاصة ورياض الأطفال بمبالغ يتمنى أغلب ذوي الطلاب لو تُطبق على أرض الواقع. تقول نسرين إن هذه الأقساط “وهمية، لا تتجاوز مهمتها إعلان وزارة التربية عن قيامها بواجبها في تحديد الأقساط، من دون قدرتها على تطبيقها وإلزام المدارس بها”.
وتتراوح الأقساط كما حددتها وزارة التربية في الحكومة السورية بين 525 ألف ليرة و1,225 مليون ليرة لمرحلة رياض الأطفال بحسب الفئات، وبين 700 ألف ليرة و1,750 مليون ليرة للتعليم الأساسي. أما التعليم الثانوي فيبدأ من 1,400 مليون ليرة وينتهي بنحو 2,450 مليون ليرة.
وتفوق أقساط هذه المدارس دخل موظفي القطاع العام والخاص بأضعاف أحياناً، إذ يبلغ متوسط الرواتب والأجور في سوريا اليوم نحو 300 ألف ليرة لموظف القطاع العام، ولا يتجاوز متوسط راتب موظف القطاع الخاص مليون ليرة شهرياً.
مدارس استثمارية
يقول طوني. م، وهو مسؤول حكومي في وزارة التربية بالحكومة السورية لـ”963+” إن قرار الوزارة تحديد الأقساط يلزِم المدارس الخاصة ورياض الأطفال، “لكن هذا القرار لا يتمتع بآليات تنفيذية كي يُطبق فعلياً”.
ويوضح المسؤول أنّ المدارس الخاصة ورياض الأطفال ليست على سوية واحدة، إنما تختلف وفقاً لتصنيفها وخدماتها والنشاطات التي تقوم بها وعدد غرفها وقاعاتها المدرسية وتجهيزاتها الأخرى، مشيراً إلى أن المدارس “تستغل هذه الفروقات لرفع أسعارها، ولتبرير عدم التزامها قرارات وزارة التربية”.
ويختم حديثه قائلاً إنّ قطاع المدارس الخاصة ورياض الأطفال “استثمار تجاري وليس تعليمياً، أصحابه من ذوي النفوذ في الدولة، لذلك تتغاضى عنهم الوزارة التربية، وتفشل في إجبارهم على التزام الأقساط الحكومية، في ظل تدهور قيمة الليرة مقابل الدولار الأميركي”.
أطفال بلا رياض
ليست حالة نسرين وابنها فريدة، فهذه حال أغلبية الأسر السورية في معاناتها مع ارتفاع أقساط المدارس الخاصة، وعدم قدرتها على استمرار تعليم أبنائها في المدارس نفسها. والخطر أن بعض الأسر يفصل الأبناء أو البنات من المدرسة من دون تأمين أي بديل، فيترك الأطفال في المنزل بلا تعليم، تماماً كما حدث مع عصام مبيض الذي قرر عدم إرسال ابنه البالغ أربعة أعوام إلى الروضة.
ويقول مبيض لـ “963+” إن الأقساط “مرتفعة جداً، والتدريس ضعيف، لا نتيجة منها”، مشيراً إلى أنه سيقوم بتعليم ابنه الحروف والكلمات والجمل تمهيداً لدخوله مرحلة التعليم في مدرسة حكومية.
من ناحية أخرى، يدفع ارتفاع أقساط المدارس الخاصة ببعض الأهالي إلى نقل أبنائهم إلى مدارس أخرى أقل جودة، فيُصاب الطلاب بالتشتت والضياع.
وتبرر المدارس الخاصة رفع أقساطها السنوية بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل من رواتب مدرسين ومشرفين وصيانة سنوية لمرافقها، كما قال خالد غزي وهو مسؤول إداري في روضة خاصة بدمشق لموقع “963+”.
وأضاف، في حديثه، أنّ هناك نشاطات مكثفة نقوم بها خلال المناسبات والأعياد وحفلات التخرج تساهم تكاليفها في رفع الأقساط، فضلاً عن التضخم وانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي، والذي يعد السبب الرئيسي في رفع المدارس الخاصة أقساطها السنوية.
وأكد، الموظف الإداري، أنه في حال استقرار سعر صرف الليرة ستنتهي زيادة الأقساط السنوية، منوهاً إلى احتياجات المدارس إلى أوراق وكتب ودفاتر وأنشطة وأدوات تعليمية خصوصاً لمرحلة رياض الأطفال، وإلى مازوت التدفئة، وهذه أسعارها تحسب بالدولار الأمريكي.
تدهور التعليم
يرى عصام، وهو مدرّس مادة الكيمياء في إحدى المدارس الحكومية، أنّ التعليم في سوريا منهار، في المدارس الخاصة أو في الحكومية، مشيراً إلى ما حدث مع أولاده الآخرين الذين يدرسون في مدرسة حكومية في الصفين الثالث والخامس (تعليم أساسي). يقول: “لولا انكبابي على تدريسهم ومتابعتهم في المنزل، لما كانوا في وضع جيد تعليمياً”.
وإلى جانب عائلة عصام، تخشى آلاف العائلات في مناطق سيطرة الحكومة السورية من تدني مستوى التعليم وانعكاس ذلك على تحصيل أولادهم الدراسي، واضطرارهم للجوء إلى الدروس الخصوصية لبعض المواد، عدا عن التسرب المدرسي الحاصل جراء تدهور الوضع الاقتصادي وإرسال بعض الأهالي أبناءهم للعمل بدلاً من الدراسة.
وتشير تقارير حكومية إلى تفاقم نسبة التسرب المدرسي للعام الدراسي 2022-2023، إذ بلغت 4.28 في المئة مقارنة بالعام 2021-2022، والتي كانت 3.98 في المئة.
وبينما يقدر عدد المتسربين من المدارس خلال العقد الأخير بأكثر من 1,1 مليون متسرب، تشير أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى وجود أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المئة من الإناث، وفقاً لصحيفة “الشرق الأوسط”.