بروكسل
أحدث فيلم “الأشباح” رجة خاصة سواء في الأوساط المهتمة بالشأن السينمائي أو السوري، لأنه لربما العمل الأول الذي يتناول موضوع مجموعات سرية سورية تنشط في الخفاء لتحديد قائمة جلادي الحكومة السورية وملاحقتهم أمام المحاكم الأوروبية، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
ويعتبر فيلم “الأشباح”، أول عمل للمخرج الفرنسي جوناثان ميلي، يشارك به في مسابقة “أسبوع النقاد”، والذي كشف في تصريح لفرانس24 أنه تعذر عليه العثور على ممثلين سوريين بإمكانهم القول إنه يوجد تعذيب في بلادهم.
وتكاد قصة اللجوء واللاجئين المؤلمة تكون حاضرة باستمرار في مهرجان كان. فالجراح الجسدية التي يمكن أن يتعرضوا لها قد تشفى في وقت محدد، لكن الجروح النفسية بالإمكان أن تبقى إلى الأبد، والتخفيف منها والعمل على تجاوزها يأتي بنسق مدروس، يستعيد معه الشخص قدراته، ما قد يساعده على الانطلاق في حياة جديدة، يطوي فيها الآلام السابقة كلياً أو جزئياً. ويمكن أن ينطبق على لاجئين سوريين نجوا من عذابات السجانين والجلادين ووصلوا إلى أوروبا، محملين بقصص موغلة في الألم.
وطرح المخرج الفرنسي جوناثان ميي، ما سبق في فيلم “الأشباح”، الذي تم عرضه في “أسبوع النقاد”، واعتمد فيه على موهبة الفنان التونسي آدم بيسا الحاصل على جائزة أحسن ممثل في مسابقة “نظرة ما” الموازية لمهرجان كان 2022. وجسد بيسا الدور المنوط به بالكثير من الحِرَفية، ذاب بفضلها في الشخصية التي لعبها فصفق له جمهور كان.
كما أوضح المخرج أنه “قبل تجسيد الدور طلبت من بطلي الفيلم الاطلاع كثيرا لاستيعاب الشخصية التي سيجسدان. آدم مثلا، الذي يؤدي دور “حميد”، قضى ليالي طويلة في الاستماع لشهادات وحكايات تعذيب، مشاهدة صور سجون، وإيجاد الطريقة التي يخرج بها ذلك أمام الجمهور”.
“أما (الفلسطيني) توفيق برهوم، فهو أقرب من هذه الأوضاع، الموضوع يعني له الشيء الكثير، لكنه لعب الدور السيء، وكان عليه التحدث باللغة الفرنسية وتعلمها في ظرف ثلاثة أشهر. وهذا كان من الضروري، لأن دوره في الفيلم يتطلب ذلك كمقيم في فرنسا منذ مدة يرغب في الاندماج بالمجتمع الفرنسي، ويريد وضع قطيعة مع لهجته. وما قام به أمر لا يصدق. وليس من السهل أن تطلب من كوميدي التمثيل بلغة غير لغته”، وفق ما جاء في حديث المخرج لفرانس 24.
وكان اعتماد المخرج جوناثان ميي، على ممثلين غير سوريين لعدم تمكنه من العثور على سوريين للعب دور البطولة في عمله، بسبب تخوفاتهم من ردة فعل حكومة بلادهم، ما اضطره إلى التنقيب الواسع عن اسم غير سوري تستوفى فيه الشروط المطلوبة.
وانبثق اختيار المخرج لهذا الموضوع من اهتمامه بقضية اللجوء واللاجئين. ويقول بهذا الشأن لفرانس 24: “في البداية كان لي مشروع العمل على لاجئي الحرب. وبعد لقاءات مع لاجئين يحملون آثارها، خاصة من السوريين، وخلال مدة استماعي لقصص هؤلاء بدأت أبحث في الوقت نفسه في أي زاوية يمكن أن أضع الكاميرا، وعند سماعي عن مجموعات سرية صغيرة، قررت حينها أن أتناول هذا الموضوع”.
وكانت هذه الزاوية ذلك “الجزء غير المرئي” الذي يكتشفه الجمهور في الفيلم، “يجمع بين الاستخبار والمجموعات السرية…” وغيرها. موضوع “انجرف معه المخرج، علما أن العمل مستقى من وقائع حقيقية، “تجذبني باستمرار وتثير فضولي” على حد قوله.
ويأتي هذا العمل ليعيد الرأي العام الغربي للكارثة السورية التي توارت عن الأنظار بفعل تواتر أحداث ساخنة أخرى. ويذكر الرأي العام الدولي أن جرح هذا البلد العميق على أكثر من مستوى لم يشف بعد، بحسب الوكالة.
ويبقى الملف السوري عموماً مفتوحاً فيما أدخله مخرج العمل في سياق أحداث محددة مرتبطة به. ويفسر ميي: “في ألمانيا تمت ملاحقة عسكريين سابقين في الجيش السوري بتهم مرتبطة بجرائم حرب عندما بدأت كتابة الفيلم، وتمت محاكمتهم في الوقت الذي بدأنا في التصوير، وفي اللحظة التي انتهيت من إخراجه صدرت مذكرة توقيف بحق بشار الأسد قبل أربعة أشهر”.
ولم يكن يتوقع البعض أن تتم محاكمة جلادين سوريين في محاكم أوروبية يوماً. “فكرة الفيلم انطلقت من المستحيل إلى الممكن” يلفت المخرج، ولدت انطلاقاً مما قامت به مجموعات سرية من السوريين، لاحقت هؤلاء لدى مؤسسات قضائية مدعمة بوثائق. واقتنعت أن هذا العمل إن لم يقم به السوريون أنفسهم في أوروبا لا يمكن لأي جهة أخرى أن تقوم به محلهم، بحسب ما قاله المخرج للوكالة الفرنسية.