لا تنفصل أزمة المياه في العراق عن أزمة الموارد المائية في العالم، لكنها تتميز بتداخل سياسي معيشي يجعلها تتفاقم، خصوصاً حين تحمّل بغداد عواصم الدول المجاورة مسؤولية الشح المائي الذي يعانيه العراقيون.
ويوفر العراق 70 في المئة من إيراداته المائية من خارج حدوده، لذا تسعى الحكومة العراقية مع دول الجوار إلى عقد تفاهمات “مائية” على قاعدة المصلحة المشتركة في تحديد الحصص المائية لكل دولة، كان آخرها التفاهم العراقي – التركي الذي أعلن عنه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة في 24 نيسان/أبريل المنصرم، وهذا اتفاق من شأنه تحديث منظومات الري، و”سيستمر 10 سنوات، وسيلمس أثره بشكل واضح، لا سيما في ما يتعلق بحصة العراق المائية”، كما قال السوداني حينها، مضيفاً أن “تفاقم أزمة المياه لا يصب في مصلحة أحد، وأن الأمن المائي واحد في تركيا والعراق”.
الدولة المصب
لكن الوجه الخارجي للأزمة غير محصور بالمشكلة مع تركيا. يقول الدكتور محمد أمين فارس، مستشار الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، لـ”+963″ إن مشاريع الدول الإقليمية المجاورة، مثل تركيا وسوريا، “تؤثر في كميات المياه الواردة إلى العراق بشكل كبير، نتيجة إقامتهما السدود والمشاريع الأخرى وقنوات تحويل مجرى نهري دجلة والفرات”، متحدثاً عن أنهار داخل إيران نفسها “تم تحويل مجاريها فحرم العراق من حصته منها”.
ويضيف: “نحاول التوصل إلى حلول مقنعة ترضي الجميع، بالتفاوض والطرق الدبلوماسية طبعاً، لتقاسم الأضرار بشكل منصف. فدول الجوار متضررة أيضاً من الجفاف والتغيرات المناخية، ونسعى إلى عقد اتفاقات معها لتلاشيد توزيع الحصص المائية بين العراق من جهة، وتركيا وإيران وسوريا من جهة، أي الدول التي يمر فيها نهرا دجلة والفرات”.
ويذكر أن وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب عبد الله أجرى مباحثات في دمشق مع نظيره حسين مخلوف، بشأن أزمة المياه وتقاسم مياه نهر الفرات، وذلك في 9 آذار/مارس الماضي. ونقلت صحيفة “الوطن” السورية عن ياسين شريف الحجيمي، القائم بأعمال السفارة العراقية في سوريا، قوله إن المباحثات تناولت وضع حلول للشح المائي في نهر الفرات، بسبب انخفاض التدفق المائي الوارد من سوريا إلى العراق، وتضرر الأراضي الزراعية في عدد من المحافظات العراقية.
وفي هذا الإطار، ينبّه مركز “البيان للدراسات والتخطيط”، ومقره بغداد، إلى أن قضايا المجاري المائية الدولية “من أكثر القضايا الساخنة التي تشهدها الساحة الدولية، بسبب الخلافات بين دول المنبع والمصب، ولعلّ أبرزها الخلافات على الأنهار الواقعة في الشرق الأوسط”، مضيفاً أن ملف الموارد المائية العراقية يشهد أزمات كثيرة لها بعد خارجي، بسبب وقوع منابع نهر الفرات في الدول المجاورة له، ووقوع أغلب منابع نهر دجلة خارج العراق، فضلاً عن كون العراق المصب الأخير للنهرين.
ويعقّب مستشار الرئيس العراقي قائلاً لـ”963+”: “نعم، نحن دولة مصب، وبالتالي الضرر علينا أكبر. ففي جنوب العراق، يعاني السكان مشكلة في مياه الشرب، لذلك نحاول الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف”.
مواسم جفاف متعاقبة
بالنسبة إلى نهر الفرات، يذكر فارس بوجود اتفاق بين العراق وسوريا، وقعه البلدان في عام 1989، يقضي بتعهد الجانب التركي توفير معدل سنوي يزيد على 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود التركية – السورية بشكل مؤقت، إلى حين الاتفاق على التوزيع النهائي لمياه نهر الفرات.
وبحسب مستشار الرئيس العراقي، قضت الاتفاقية مع سوريا أن تكون حصة العراق من مياه نهر الفرات 58 في المئة، مقابل 42 في المئة لسوريا، “لكن النسبة التي يحصل عليها العراق أقل كثيراً من المتفق عليه”، وفق تعبيره.
ويشدّد فارس على أهمية اعتماد سياسات مائية ناجعة، “لا سيما في ظل الوضع العام القائم في المنطقة، وما يرافقه من تغيرات مناخية في العالم، حيث تتعاقب مواسم الجفاف على منطقتنا كل خمس سنوات”.
وفي سياق متصل، يفيد تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام 2024، الذي نشرته “يونيسكو” نيابة عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، بأنّ أكثر من ملياري نسمة في العالم يفتقرون إلى مياه الشرب التي تُدار بطريقة آمنة، وأن 3.5 مليارات نسمة يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي التي تُدار بطريقة آمنة. وبالتالي، يبدو هدف الأمم المتحدة المتمثل في ضمان انتفاع الجميع بالماء الصالح للشرب وبالتصريف الصحي بحلول عام 2030 بعيد المنال.
ويكشف التقرير ذاته عن تضرر أكثر من 1.4 مليار نسمة من موجات الجفاف بين عامَي 2002 و2021. وكان عام 2022 بداية مرحلة عاش فيها نصف سكان العالم تقريباً تحت وطأة ندرة حادة في المياه خلال جزءً من السنة على أقل تقدير، بينما تكبّد ربع سكان العالم مستويات “عالية جداً” من الإجهاد المائي لاستخدام أكثر من 80 في المئة من إمدادات المياه العذبة المتجددة السنوية.