خاص – مراد عبد الجليل/اسطنبول
فرضت دائرة الهجرة التركية شرطين جديدين لتجديد الإقامة السياحية، فتسببت بحالة من الذعر بين السوريين الموجودين في تركيا. فهذا القرار وضعهم على مفترق طرق يستدعي منهم اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بمستقبلهم في البلاد.
فقد فوجئ سوريون كثيرون أثناء تقديمهم أوراق تجديد إقاماتهم السياحية بموظفي الهجرة الأتراك يطلبون منهم التوقيع على “تعهد” يحمل اسم “وثيقة المسؤولية”، تضمنت شرطين وصفوهما بأنهما “صارمين” يتوجب تحقيق أحدهما على الأقل.
شرطان للتجديد
يقول حسام عبد الله، أحد السوريين الذين وقعوا “وثيقة المسؤولية” في منطقة الفاتح بولاية إسطنبول، إنها المرة الأولى التي يُطلب منه توقيع مثل هذا التعهد منذ قدومه إلى تركيا قبل سبع سنوات.
وتتضمن الوثيقة، التي حصل موقع “963+” على نسخة منها، تعهد المتقدم لتجديد إقامته السياحية في تركيا تحقيق شرط من اثنين بعد انتهاء مدة التجديد، وهي ستة أشهر فقط: تحويل الإقامة السياحية إلى إقامة عمل أو إبراز إثبات مادي بمقدار 1.5 ضعف الحد الأدنى للأجور لمدة 5 أشهر على الأقل، من خلال حساب مصرفي في تركيا، وإلا سيرفض طلب التجديد.
وفي حال وجود عائلة، على صاحب الطلب إثبات دخل مادي بمقدار الحد الأدنى للأجور، البالغ 17002 ليرة تركية، (ما يعادل 525٫36 دولار أميركي) لكل فرد من أفراد أسرته.
لم يُعلن عن هذين الشرطين الجديدين رسمياً بعد، لكن أسامة عبد الرحمن، الاستشاري القانوني في إسطنبول، يقول لـ”963+” إن إدارة الهجرة التركية بدأت فعلياً تطلب من المتقدمين لتجديد إقاماتهم السياحية توقيع هذه الوثيقة حتى من دون إعلان رسمي، “فكثيراً ما تصدر تعليمات تنفيذية للمراكز التابعة لإدارة الهجرة من دون إصدار قرار رسمي، وعلى الموظفين التزامها وتنفيذها”.
غير شرعي!
يؤكد عبد الله أن أمامه ستة أشهر فقط ليبحث عن دولة أخرى يستقر فيها غير تركيا بسبب صعوبة الحصول على إقامة عمل في ورشة الملابس حيث يعمل، “فالقرار ليس بيدي بل بيد صاحب العمل، وأنا عاجز عن تأمين المبلغ الذي يطلبون إيداعه في الحساب المصرفي، والذي يصل إلى أكثر من 290 ألف ليرة تركيا، ما يعادل (8٬961 دولار أميركي) عني وعن زوجتي وابنتي”.
وهكذا، يتخوف عبد الله من تحوله إلى مهاجر غير شرعي في تركيا وترحيله إلى الشمال السوري، بعد انتهاء صلاحية إقامته السياحية ورفض السلطات التركية تجديدها، خصوصاً في ظل تكثيف وزارة الداخلية التركية حملتها ضد المهاجرين غير النظاميين.
وكان علي يرلي كايا، وزير الداخلية التركية، قد عرّف المهاجر غير الشرعي في تموز/يوليو الماضي بأنه “الشخص الذي دخل تركيا بشكل غير قانوني وبقي فيها من دون تصريح، أو دخل بشكل قانوني لكنه خالف القوانين لجهة عدم امتلاكه الأوراق النظامية، مثل الإقامة”.
تنسحب حالة عبد الله على آلاف السوريين من حملة بطاقة “الإقامة السياحية” في تركيا. وبحسب آخر إحصائيات الهجرة التركية، المنشورة على موقعها الإلكتروني الرسمي، يبلغ عدد حملة بطاقة الإقامة السياحية في تركيا 600 ألف شخص، بينهم 57,827 سورياً.
قوننة أم تضييق؟
صحيح أن فرض الشرطين الجديدين لتجديد الإقامة السياحية في تركيا لا يقتصر على السوريين، إنما يشمل كل أجنبي مقيم على الأراضي التركية، إلا أن محامين وناشطين حقوقيين يرون أن السوريين هم الأكثر تضرراً من هذا القرار، خصوصاً أنه يصدر في توقيت يثير بعض الهواجس.
ويرى المحامي السوري غزوان قرنفل أن ما تطلبه السلطات التركية ليس بجديد، بل موجود منذ عام 2013، “إذ كانت إدارة الهجرة تشترط توفير رصيد مالي لا يقل عن ستة آلاف دولار أميركي في حساب المتقدم للحصول على الإقامة السياحية، لكنها غضت الطرف عن ذلك لاحقاً”.
ويقول قرنفل لـ”963+” أن سبب عودة دائرة الهجرة إلى تطبيق شرط الإقامة السياحية في الوقت الراهن هو “قرار أنقرة الحد من عدد الوافدين إلى تركيا، سواء من حملة الجنسية السورية أو من حملة جنسيات أخرى يفترض أن تطول إقامتهم في البلاد”.
ويضيف أن تركيا تريد قوننة الوجود السوري وطي ملف اللجوء، “وما فرض توقيع هذه الوثيقة في هذا التوقيت إلا شكل من أشكال التضييق على السوريين، فليسوا جميعاً بقادرين على تأمين المبلغ المطلوب، علماً أن أنقرة أعلنت صراحةً عن نيتها ترحيل مليون سوري إلى شمال سوريا”، متوقعاً ألا يبقى في تركيا خلال العامين المقبلين أكثر من 600 ألف سوري، بمن فيهم حملة الجنسية التركية.
وتقول إحصائيات إدارة الهجرة التركية الصادرة في نيسان/أبريل المنصرم إن عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا يبلغ 3,120,460 سورياً، فيما كشف الداخلية التركية أن عدد السوريين من حملة الجنسية التركية الاستثنائية يبلغ 238,055 سورياً.
إنهم يغادرون تركيا
يردّ الناشط الحقوقي طه الغازي التشدد التركي الجديد في تجديد الإقامة السياحية إلى مشروع “مناهضة الهجرة غير الشرعية” الذي أعلن عنه وزير الداخلية خلال الأشهر الماضية. ويقول لـ”963+” إن إدارة الهجرة تعتبر كل أجنبي انتهت مدة إقامته الشرعية ولم يجددها مقيماً غير شرعي، أو مقيماً غير قانوني، “لذلك تأتي القرارات الجديدة ضمن سلسلة ادعاءات إدارة الهجرة ووزارة الداخلية تنظيم وجود الأجانب في تركيا”.
ويقسم الغازي الوجود السوري في تركيا إلى قسمين: “قسم حاصل على بطاقة الحماية المؤقتة ويضم أكثرية السوريين هنا، وقسم مقيم بموجب إقامة سياحية، وفيه مستثمرون وأصحاب رؤوس أموال يملكون مصانع في تركيا”.
ويؤكد الغازي أن عدداً كبيراً من السوريين الموجودين في مرسين وغازي عنتاب واسطنبول ويملكون ورشاً وأعمالاً غادروا تركيا خلال الأشهر الماضي إلى دول أخرى مثل مصر وبلغاريا، “نتيجة عاملين: العامل الأول هو ارتفاع مستوى خطاب الكراهية والتمييز العنصري، والثاني هو التضييق عليهم من خلال القرارات التعسفية التي تصدرها إدارة الهجرة”.
هل من بدائل؟
يقول عبد الرحمن إنه لا بدائل في الوقت الراهن باستثناء إبراز كشف حساب مصرفي عند تقديم طلب تجديد الإقامة السياحية، “وهذا الشرط يمكن تلبيته في حال عدم طلب تجميد المبلغ في الحساب المصرفي مدة زمنية محددة، وإلا سيكون ذلك صعباً على الكثير من السوريين”، مشيراً إلى أن آلية تنفيذ قرار إدارة الهجرة لم تتضح بعد.
بدوره، نصح قرنفل السوريين في تركيا بالبحث عن “وطن بديل غير تركيا”، فيما يشير الغازي إلى أن لا جهة قادرة على تطبيق القانون بشكل تام، “وتختلف آليات قبول الطلب ورفضه بين موظف وآخر أحياناً”، مؤكداً أن رفض التجديد أو القبول به مرهون بمزاج الموظف في إدارة الهجرة، حتى لو استوفى الطلب الشروط المطلوبة.
وينصح الغازي كل سوري ترفض إدارة الهجرة التركية تجديد إقامته السياحية “تقديم طلب الحصول على الإقامة الإنسانية التي تمنح كل من يفقد إمكانية العيش في بلده الحق في الحماية”، علماً أن الموافقة على منح هذه الإقامة يستغرق بين أربعة وخمسة أشهر، وهذه مدة طويلة جداً لمن يعمل موظفاً أو عاملاً.