في سياق تحركات دبلوماسية نشطة، وبعد زيارته إلى فرنسا ولقائه بالرئيس إيمانويل ماكرون، توجه رئيس الإدارة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، نحو الولايات المتحدة، حيث أفادت تقارير صحفية بأنه طلب عقد لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تفتح باباً أمام إعادة إدماج سوريا في المشهد الدولي وتطبيع العلاقات مع واشنطن، في حين يعتبر آخرون أن أي تقارب لا يزال مشروطاً باستجابة الإدارة السورية الجديدة لمطالب أميركية تتعلق بالإصلاح السياسي والانفتاح.
الشرع يسعى للقاء ترامب
ذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية أن من المتوقع أن يلتقي رئيس الإدارة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في السعودية، ضمن اجتماع قد يضم مسؤولين من دول الخليج وفلسطين ولبنان، وسط انقسام داخل فريق ترامب حول هذا اللقاء.
وأوضحت الصحيفة أن الشرع يسعى لاستمالة واشنطن عبر تقديم امتيازات تشمل السماح لها بالوصول إلى الموارد الطبيعية في سوريا، في محاولة لرفع العقوبات، مشيرة إلى أنه يسعى لتكرار نموذج صفقة المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لجذب اهتمام الإدارة الأميركية.
بينما أفادت وكالة أنباء “رويترز”، الأحد، إن رجل الأعمال الأميركي، جوناثان باس، يحاول ترتيب لقاء بين الشرع وترامب، خلال زيارة الأخير المرتقبة إلى دول الخليج. ووفقاً لما ذكرته المصادر لـ”رويترز”، فإن الشرع يسعى للتقارب مع واشنطن عن طريق بناء “برج ترامب” في العاصمة السورية دمشق وتحقيق توافق مع إسرائيل وتمكين الولايات المتحدة من الوصول إلى آبار النفط والغاز في سوريا.
جوناثان باس، وهو الناشط الجمهوري المؤيد لترامب والرئيس التنفيذي لشركة ‘‘أرجنت’’ للغاز الطبيعي المسال، زار دمشق في 30 نيسان/أبريل الفائت، ليعرض على الشرع خطة لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع شركات غربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مُدرجة في الولايات المتحدة.
كما نقلت صحيفة ‘‘وول ستريت جورنال’’ الأميركية عن مسؤولين سوريين قولهم إن الشرع، يسعى للقاء ترامب، لمشاركة رؤيته لإعادة الإعمار على غرار خطة مارشال التي ساهمت في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وحسب الصحيفة فإن رؤية الشرع لإعادة الإعمار تتفوق فيها شركات أميركية وغربية على شركات صينية.
اقرأ أيضاً: “التايمز”: من المتوقع أن يلتقي الشرع مع ترامب في السعودية
خطوة مهمة وفرصة تاريخية
أكد صلاح قيراطة، أستاذ العلوم السياسية المقيم في مدريد، لموقع “963+” أن زيارة ترامب إلى السعودية تأتي في ظل متغيرات إقليمية بارزة، أبرزها سقوط نظام الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا.
واعتبر قيراطة أن الزيارة تمهّد لمرحلة جديدة تُرسم فيها التوازنات في سوريا بعيداً عن الهيمنة السابقة، عبر شراكة أميركية–خليجية تهدف لتثبيت الاستقرار، ومنع الفوضى، وقطع الطريق أمام عودة البعث أو صعود التطرف، مع السعي لتحجيم النفوذ الروسي المتبقي.
بدوره، الإعلامي السوري والباحث في الشأن العربي قحطان الشرقي، أوضح في تصريحات لـ‘‘+963’’، أن مطلب الشرع لقاء ترامب خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لرفع أو تخفيف العقوبات عن سوريا، وتفسر رغبته في إقامة علاقة استراتيجية قوية مع واشنطن قائمة على المصالح والشراكة المتبادلة بما في ذلك الطاقة والعلاقات الاقتصادية الأخرى.
وقال الشرقي: ‘‘الشرع يرد من لقاء ترامب القول إن سوريا ليست منعزلة وإنما هي جزء من المنظومة الدولية والنظام العالمي، وبالتالي اللقاء إن تمّ يُعد فرصة تاريخية لسوريا لبناء علاقات قوية مع واشنطن التي كانت تتسم دوماً بعدم الاستقرار والتوتر منذ زمن الأسد الأب، وكان هناك تصور خاطئ لدى السوريين تجاهها بسبب هيمنة النظام السوري السابق على الإعلام وتسويق أن واشنطن عدو للشعوب’’.
ونوه الباحث في الشأن العربي إلى أن مصالح السوريين تتطلب بناء علاقات قوية مع واشنطن في المرحلة المقبلة وأن يُفتح المجال للشركات ورجال الأعمال الأميركيين للاستثمار في سوريا لفتح الباب أيضاً أمام الاستثمارات الغربية التي ستكون على حساب المحاور الأخرى مثل الصين وروسيا وإيران.
اقرأ أيضاً: أميركا تضغط على حكومة دمشق… فإلى متى؟
الشروط الأميركية
وضعت إدارة ترامب مجموعة شروط لتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق، شملت الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية في سوريا، منع تولي مقاتلين أجانب مناصب حكومية، تبني نهج مدني شامل، ضمان مشاركة الأقليات وحمايتهم، تدمير مخازن الأسلحة الكيميائية، والتعاون في مكافحة الإرهاب.
وفي بيان عبر منصة “إكس”، أكدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، أن موقف واشنطن سيتحدد بناءً على سلوك الإدارة الانتقالية، داعية “القيادة الأساسية” في سوريا إلى تجاوز الماضي وتبني رؤية تلبّي تطلعات الشعب.
من جهته، أشار الرئيس دونالد ترامب إلى إمكانية تخفيف العقوبات بطلب من زعماء إقليميين، وفي مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف منح السوريين فرصة لبداية جديدة، بحسب ما نقلته “رويترز”.
يرجّح المحلل الشرقي أن دولاً داعمة لسوريا، مثل تركيا وقطر والسعودية، قد لعبت دوراً في دفع التقارب بين دمشق وواشنطن، بهدف إقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات، متوقعاً أن يكون الملف السوري محورياً في لقاءات ترامب مع قادة الخليج. وأضاف أن تجاهل النفوذ الأميركي في المنطقة أمر غير واقعي، مؤكداً أن مراعاة مصالح واشنطن يُعد ضرورياً لأي طرف في الشرق الأوسط، باعتبار أن بناء علاقة معها يصب في مصلحة جميع الأطراف.
وبينما يتفاءل الشرقي بإمكانية عقد اللقاء وتغيير إدارة ترامب سياستها تجاه الإدارة الانتقالية في سوريا، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية المقيم في نيويورك أحمد محارم، في تصريحات لموقع ‘‘+963’’، أنه من المبكر الحديث عن لقاء أو تقارب بين دمشق وواشنطن قبل تأكد الأخيرة من تلبية الشرع للشروط الأميركية.
كما استبعد قيراطة حدوث اللقاء خلال زيارة ترامب، موضحاً أن جدول أعماله يركّز على العلاقات الاقتصادية والقضايا الإقليمية، دون إعلان رسمي عن لقاء مرتقب. ورجّح أن يكون الشرع يسعى للحصول على دعم دولي لتعزيز شرعيته، ورفع العقوبات، وجذب الاستثمارات، لكنه أشار إلى أن الموقف الأميركي مرهون بالتزام دمشق بإصلاحات سياسية وتمثيل شامل لمكونات المجتمع السوري.
ويرى قيراطة أن ترامب قد ينظر إلى الشرع كشخصية يمكن التفاوض معها لتحقيق تغيير سياسي، لكنه قد يتخذ موقفاً متشدداً إذا رأى فيه امتداداً للنظام السابق.
ولكن اتفق محارم مع الشرقي في نقطة أن هناك محاولات إقليمية عديدة لتقريب الشرع من الولايات المتحدة، لكنه اعتبر أن أزمات الداخل السوري تعيق هذا التقارب، موضحاً أنه لا تزال الكثير من القضايا ناقصة ومعلقة في الداخل السوري وتتطلب إنجازها قبل تأهيل الشرع للقاء ترامب.
اقرأ أيضاً: هل ينجح مشروع ‘‘مارشال’’ جديد في إنقاذ سوريا؟
إغراء ترامب
وتابع محارم: ‘‘الشرع يحاول لفت نظر إدارة ترامب برسائل متعددة، منها بناء برج ترامب في دمشق وإمكانية انضمام قواته الجديدة في محاربة تنظيم داعش، والعلاقة مع إسرائيل خاصة وأنه كشف من باريس عن وجود مفاوضات غير مباشرة مع تل أبيب مع إبداء حسن نوايا تجاه الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، لإدراكه أنه لا يمكن للنظام الجديد في دمشق أن يلقى قبولاً دولياً من دون علاقة جيدة مع واشنطن’’.
من جهته، أشار الخبير في الشؤون الأميركية أحمد الإبراهيم، من الرياض، إلى أن زيارة ترامب تأتي ضمن جهود دولية لإعادة ترتيب الوضع السوري، مع بوادر انفتاح أميركي على دمشق. ولفت إلى أن الشرع يسعى لطرح خطة “مارشال سورية” لإعادة الإعمار، بالتوازي مع استعداد للتعاون في مكافحة الإرهاب وتهدئة الجبهة مع إسرائيل، ما يعكس تحولاً في السياسة السورية تجاه الغرب.
وأكد الإبراهيم أن إدارة ترامب منقسمة حيال التعامل مع الشرع، بين داعين للانخراط مع دمشق لملء الفراغ، ورافضين بسبب خلفيته وعلاقاته السابقة.
انعكاسات الخطوة
وحول انعكاسات اللقاء في حال تمّ، عقّب الشرقي أنها ‘‘ستنعكس إيجاباً أولاً على سوريا من جهة الاستثمار وإعادة الإعمار والتبادل الدبلوماسي وثمّ على دول جوار سوريا بما فيها إسرائيل وهو تحقيق الاستقرار، خاصة أن هناك الكثير من المخاوف لدى إسرائيل ودول أخرى نحو الوضع السوري الجديد، كما أن هذه الخطوة ستساعد على تنقية الأجواء الأميركية السورية التي شابتها التوتر’’.
وبينما تراهن الإدارة الانتقالية في سوريا على إغراءات للرئيس الأمريكي من بينها بناء برج ترامب في دمشق وتهدئة التوتر مع إسرائيل وتمكين واشنطن من حق الوصول إلى النفط والغاز السوري، تبدو حظوظ تنظيم اللقاء بين ترامب والشرع محدودة ويحدده مدى قدرة الأخير على تنفيذ المطالب الأميركية الآنفة الذكر.
