منذ سقوط النظام المخلوع في 8 كانون الأول/ديسمبر المنصرم، دخل الجنوب السوري مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، اتسمت بتصاعد الصراعات المحلية، واستمرار الفوضى الأمنية، وتكثيف التوغلات الإسرائيلية، وسط غياب واضح للإدارة السورية الانتقالية التي شُكّلت عقب انهيار النظام. وتسارعت الأحداث في محافظتي درعا والقنيطرة مع اندفاع الفصائل المسلحة المحلية لملء الفراغ الأمني، في ظل تواجد محدود لجهاز الأمن التابع لوزارة الداخلية السورية.
وفي محافظة درعا، عادت الاغتيالات بوتيرة أقل من السابق، مستهدفة شخصيات من خلفيات متعددة، منها من كان محسوباً على النظام المخلوع، وأخرى مرتبطة سابقاً بـ “حزب الله” اللبناني وإيران، ومنهم متهمون بالإتجار بالمخدرات.
ويعيش الأهالي في هذه المناطق حالة من القلق والخوف المستمر، في ظل محدودية الجهات الرسمية الحكومية التي تضمن الأمن أو تتدخل لحل النزاعات المتصاعدة، ما جعل الجنوب السوري خلال الفترة الحالية ساحةً مفتوحةً أمام التجاذبات الداخلية والخارجية.
اقرأ أيضاً: وفد من قوات “الأندوف” يزور ريف درعا جنوبي سوريا – 963+
احتمالات مفتوحة
تمثل التوغلات الإسرائيلية عاملاً مفجّراً إضافياً في المشهد بالجنوب السوري، حيث نفذت تل أبيب خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة ضربات جوية وتوغلات برية استهدفت مواقع عسكرية كانت تتبع للنظام المخلوع، خصوصاً في محيط درعا والقنيطرة. أبرز هذه الهجمات ما وقع في مدينة نوى بريف درعا الغربي، حيث سقط 9 قتلى من السكان والعناصر المحليين خلال تصديهم لمحاولة توغل إسرائيلي على تل الجموع الاستراتيجي.
وفي بلدة كويا، لقى 7 مدنيين من أبناء البلدة مصرعهم في ظروف مماثلة، كما سقطت أعداد كبيرة من الجرحى بينهم نساء وأطفال. وواجهت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة في الفترة القريبة الماضية ردات فعل من الإدارة السورية الانتقالية، وصفت بأنها “لا ترقى لفجاعة الحوادث التي وقعت” إذ اقتصرت على بيانات الشجب والتنديد.
وقال الخبير العسكري السوري العقيد أكرم أبو ميجنا، في العدد السادس من صحيفة “963+” إن الجنوب السوري بعد سقوط النظام المخلوع “تحول إلى منطقة مفتوحة أمام الضربات الإسرائيلية، وسط غياب واضح لأي منظومة دفاعية أو سياسية موحدة من الإدارة الانتقالية وحلفائها العرب أو الإقليميين”.
وأشار إلى أن الحكومة الجديدة لم تُظهر حتى الآن قدرة فعلية على الإمساك بزمام الأمور في جنوب البلاد، “ما شجّع الجيش الإسرائيلي على تكثيف هجماته العسكرية الدموية، مستفيداً من هشاشة الوضع العسكري والمؤسساتي في تلك المناطق”، مردفاً: “ما يجري في درعا والقنيطرة يعكس فشلاً واضحاً في ترتيب أولويات الدولة الجديدة، فالجنوب السوري يجب أن يكون في مقدمة الاهتمام، لا في ذيل القائمة”.
اقرأ أيضاً: تشييع في درعا لضحايا القصف الإسرائيلي وسط استنفار شعبي ودولي – 963+
الخاسر الأكبر
وعبر عدد من أهالي الضحايا في قرية كويا بحوض اليرموك ومدينة نوى بريف درعا الغربي عن انزعاجهم إزاء صمت الحكومة الجديدة على التوغلات الإسرائيلية وعمليات القصف التي استهدفت أحياءً سكنية في مناطق عدة بمحافظة درعا، مؤكدين في تصريحات للعدد السادس من صحيفة “963+” أن مشاركة مسؤولين حكوميين في التعازي بضحايا القصف الإسرائيلي كانت خجولة، “فيما قامت مجتمعات محلية مدنية من جميع المحافظات ومن كافة الطوائف بالمشاركة بشكل كبير وفعال”.
وتساءل محمد الحريري، أحد سكان مدينة درعا، عن دور الإدارة الانتقالية إزاء الأحداث والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على جنوب سوريا، وتابع بالقول: “الشعور بالتجاهل يُضاف إلى ألم فقدان الضحايا، ويعكس غياباً مقلقاً للسلطة في واحدة من أكثر مناطق البلاد حساسية”.
وتنشط اليوم بمحافظتي درعا والقنيطرة عشرات الفصائل التي تعمل تحت مظلة وزارة الدفاع والأمن العام، لكنها في الواقع تتصرف بشكل منفصل من دون تعليمات واضحة أو مركزية من الحكومة الانتقالية.
وفي حوار سابق ورد في العدد الخامس من صحيفة “963+” مع محافظ درعا أحمد طه الزعبي، يقول إن كافة التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية وخاصة في محافظة درعا خلال الفترة الأخيرة يتم إبلاغ القيادة في دمشق عنها بشكل متواصل منذ أشهر. ويضيف: “الأمور ضبابية بالنسبة إلى الفصائل المحلية، لكن الإدارة الانتقالية حاولت دمجهم من خلال فتح باب التطويع بالجيش والأمن من قبل وزارتي الدفاع والداخلية”.
ولا يتوقف الوضع في جنوب سوريا عند الفوضى الداخلية وحدها، بل يفتح أبواب التدويل من جديد، في ظل تحركات إسرائيل المتكررة، وتوترات داخلية لا تجد من يضبطها.
وحتى اللحظة، واضح أنه لا رؤية حكومية واضحة تجاه إدارة الجنوب، سواء من حيث الأمن أو الإدارة المدنية. ومع دخول الشهر الرابع على سقوط النظام المخلوع، تزداد الضغوط على الإدارة الانتقالية لإثبات حضورها، خصوصاً في منطقة مفصلية كجنوب سوريا، بحسب الناشط أيمن المصري.
ويقول المصري في العدد السادس من صحيفة “963+”: “وسط هذه التعقيدات، يبقى المواطن السوري في جنوب البلاد الخاسر الأكبر. تتبدل الأنظمة، وتتغير الأعلام، لكن الدماء تبقى هي الثابت الوحيد في معادلة متحولة، يغيب فيها صوت الدولة، وتُترك فيها المناطق الساخنة لمصير مجهول”.
نشرت هذه المادة في العدد السادس من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 11 نيسان /إبريل 2025.
لتحميل كامل العدد الرابع من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+
