أرسل كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، في 23 شباط/فبراير 2023، يتمنى فيها أن تتغلب دمشق على دمار الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من الشهر نفسه، ويذكر “نضال سوريا من أجل وحدة أراضيها”.
في زحمة رسائل التعاضد، مرّت هذه الرسالة مرور الكرام، فلم يذكر أحد أن هواية “المراسلة” تجمع بين الرجلين. فبحسب موقع أخبار كوريا الشمالية، تبادل الأسد وكيم الرسائل 12 مرة خلال عام 2021، فيما تبادل كيم الرسائل مع الرئيس الصيني شي جينبينغ أربع مرات فقط في العام نفسه… منها لتبادل التهاني بالإنجازات المشتركة، ومنها في مناسبات رسمية. وتقول غدي قنديل، الباحثة بالشأن الآسيوي، إن هذا دليل “إضافي” على الدعم الذي تلقته الحكومة السورية من كوريا الشمالية بعد عام 2011.
تضيف قنديل لـ “963+” أن المستشارين العسكريين الكوريين الشماليين ساعدوا القوات الحكومية في الهجوم التي شنته على القصير في أيار/مايو 2013، “وهذا منحها انتصاراً حاسماً على المعارضة التي كانت منتشرة هناك، كما ظهرت كتيبتا ’تشالما-1‘ و’تشالما-7‘ الكوريتان الشماليتان على الخطوط الأمامية في عام 2016”.
استراتيجية بعيدة المدى
وهكذا، تكون كوريا الشمالية ثالثة الأثافي في حلف هبّ لإنقاذ الحكومة السورية من السقوط، إلى جانب روسيا وإيران. وقد شكلت دمشق بوابةً إقليمية مهمة أطلت منها بيونغ يانغ على ميادين جديدة لصراعها القديم – المتجدد مع الولايات المتحدة، لذا ترى قنديل في مقالة لها بموقع مركز الدراسات العربية الأوراسية أن أي تحرك كوري شمالي في المنطقة سيترك أثره في سوريا، مشيرةً في هذا الإطار إلى مباحثات رسمية أجراها يون جونغ هو، وزير العلاقات الاقتصادية الكوري الشمالي، في إيران في 24 نيسان/أبريل الفائت، في أثناء زيارة لم تنشر وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية أي تفاصيل عن غرضها.
وتقول قنديل: “تلقي الشراكة الاقتصادية الجاري عقدها اليوم بين إيران وكوريا الشمالية بظلالها على عملية إعادة إعمار سوريا، فالبلدان يطمحان إلى الحصول على حصتيهما من هذه العملية، تحت عنوان المساهمة الفعالة في تجديد البنية التحتية في سوريا، من خلال شركات اقتصادية عملاقة إيرانية وكورية شمالية، ومن خلال استراتيجيات اقتصادية بعيدة المدى”. فإيران تجد أن إعادة إعمار سوريا بالتعاون مع بيونغ يانغ “فرصة ذهبية” لا مفرّ من انتهازها، خصوصاً أنها تصب في صالح الحليفين، “لأن انتشال سوريا من فكي العقوبات يعني نجاة إيران أيضاً من العقوبات التي تشل اقتصادها، باعتماد الدبلوماسية الناعمة، والاستفادة البراغماتية من الانفتاح الذي تفرضه عملية إعادة إعمار سوريا على جميع الدول المشاركة فيها”.
وبرأيها، على الرغم من تلاشي حدة المعارك في سوريا، تبقى الشراكة بين بيونغ يانغ وطهران ودمشق قوية، على الرغم من تراجع حدة المعارك في الميدان السوري. فبناءً على اتفاقية اقتصادية سورية – كورية شمالية عقدت في حزيران/يونيو 2019، عرضت سوريا استقبال نحو 800 من الفنيين الكوريين الشماليين ليساهموا في مساعي إعادة الإعمار. وفي آب/أغسطس 2022، ناقشت اللجنة الفنية السورية – الكورية الشمالية المشتركة استراتيجيات إعادة تأهيل خطوط الإنتاج السورية، وإعادة بناء الآلات الصناعية التي تضررت في الحرب.
وفي هذا السياق، تلفت قنديل إلى أن توفير الشركات الإيرانية مواد البناء التي تحتاجها سوريا، واعتبار طهران أن بناء المساكن والجسور والسدود في سوريا ’عمليات توسع رئيسية‘، “عاملان يرسخان التعاون بين طهران وبيونغ يانغ بشكل أكبر في سوريا”.
وجهة رئيسية
نسجت دمشق وبيونغ يانغ تحالفاً عسكرياً وثيقاً منذ عقود طويلة. وقد أثار هذا التحالف هواجس الإدارات الأميركية المتعاقبة، خصوصاً في خلال الحرب السورية، إذ خشي الأميركيون من استغلال كيم جونغ أون الفوضى في الأراضي السورية وإقدامه على مغامرة غير محسوبة، خصوصاً أنه لا يتوقف عن تهديدهم في جارته اللدودة كوريا الجنوبية، وفي أي مكان آخر في العالم.
وينسب “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” إلى مسؤولين أميركيين وعرب وإسرائيليين قولهم إن كيم ثابر على إمداد دمشق بالسلاح طوال فترة الصراع السوري، على الرغم من مواجهته العقوبات الدولية. كما يكشف تحققي أممي عن إمدادات من كوريا الشمالية تم تهريبها إلى “مركز بحوث جمرايا السوري”، وهو هيئة سرية تشرف على برنامج الأسلحة الكيميائية التابع للحكومة السورية.
وتُذكّر قنديل بتقرير صدر عن الأمم المتحدة في عام 2018، يصف سوريا بأنها “الوجهة الرئيسية للصواريخ الكورية الشمالية”، إذ أدى تسليمها البلاط المقاوم للأحماض إلى إثارة التكهنات بشأن تجدد الدعم لبرنامج الأسلحة الكيميائية السوري، علماً أن علاقاتها الطويلة الأمد مع “حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران يسهل نقل الأسلحة إلى سوريا.
“زمزم” الذرية
لم يقتصر الدعم الكوري الشمالي للحكومة السورية على تزويده بالسلاح التقليدي. فثمة خبراء يتهمون كوريا الشمالية بالتورط في إقامة منشأة “زمزم”، وهو الاسم الرمزي لـمصنع ذري سري في مدينة القصير السورية، القريبة من الحدود مع لبنان.
تقول مجلة “ديرشبيغل” الألمانية إن سوريا تملك قرابة 50 طناً من اليورانيوم الطبيعي، نُقلت بعد دخول الثورة السورية مرحلة الصراع المسلح إلى موقع خفيّ تحت الأرض غرب القصير، وذلك وفقاً لتقديرات استخبارية مبنية على اعتراض اتصالات عدة، منها تقارير محدثة ومفصلة عن منشأة “زمزم” كان قيادي رفيع في “حزب الله” يرفعها هاتفاً إلى إبراهيم عثمان، رئيس هيئة الطاقة الذرية السورية، ذاكراً في أحدها دوراً للحرس الثوري الإيراني في إنشاء ذلك الموقع الذري وتسييره.
ففي أثناء بناء منشأة “الكبر” الذرية التي دمرتها إسرائيل في عام 2007، عمل عثمان بشكل وثيق مع تشو جي بو، المهندس الذي بنى مفاعل “يونغبيون” النووي في كوريا الشمالية، ثم اختفى عن الأنظار فترة طويلة. ظن كثيرون أنه وقع ضحية عملية تطهير في بلاده، فيما تحدثت مصادر استخبارية غربية عن وجوده “تحت الأرض في دمشق”.
وبحسب المجلة الألمانية، لم يفقد عثمان الاتصال بمعارفه المشبوهين، ويعتقد الخبراء أن بناء منشأة “زمزم” النووية الجديدة لم يكن ممكناً من دون معرفة كوريا الشمالية، وهذا ما يؤكده العثور على قضبان الوقود النووي الآتي من بيونغ يانغ، فهذا وحده دليل على تورط كوريا الشمالية النووي في سوريا.
عسكري.. فنووي
على الضفة الأخرى من هذا التحالف الثلاثي “النووي”، تعود العلاقات الوثيقة بين طهران وبيونغ يانغ إلى ثمانينيات القرن الماضي. حينها، وفي أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، بدأت صفقات الأسلحة بين طهران وبيونغ يانغ، وتطورت لاحقاً إلى تبادل التقنيات العسكرية النووية.
وقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في كانون الأول/ديسمبر 2010 تقريراً عن اعتراض شحنة أسلحة متجهة من كوريا الشمالية إلى إيران في ميناء تايلندي، ضمت قاذفات صواريخ ومكونات صواريخ أرض – جو لجمعها في إيران.
كذلك، نشرت النسخة اليابانية من مجلة “نيوزويك” الأميركية في آذار/مارس 2013 تقريراً تناول عمق علاقات الثنائية التي تتعزز بمشاركة علماء إيرانيين مسؤولين عن تطوير رؤوس حربية نووية يمكن حملها على صواريخ بالستية في التجارب النووية الكورية، مشيرةً إلى زيارة محسن فخري زادة، المسؤول عن الترسانة العسكرية النووية الإيرانية، والذي قتل في إيران في عام 2020، إلى كوريا الشمالية لحضور التجربة النووية الكورية الثالثة في نيسان/أبريل 2013.
تثير العلاقات بين كوريا الشمالية وإيران قلق واشنطن وحلفائها، خصوصاً أن هذه العلاقات تفتح باب المنطقة لكيم جونغ أون، وهي منطقة مشرعة دائماً على الصراعات بسبب نشاط الجماعات الإرهابية المختلفة، وبسبب الحضور القوي للفصائل المسلحة التي تدعمها إيران بالسلاح والأموال، والتي تنتشر في سوريا والعراق ولبنان واليمن ضمن ما تطلق عليه طهران اسم “محور المقاومة”.
وبحسب “معهد واشنطن”، ثمة إجماع دولي واسع النطاق على أنّ كوريا الشمالية تسعى إلى تجاوز أزماتها المالية والاقتصادية من خلال بيع أكثر أنظمة أسلحتها تطوراً لدول هذا الحلف، الذي تتقاسم معه العداء للولايات المتحدة.