عام 1985، علِم أهل وسام أنّه موجود في سجن سوري، وذلك حسب ما تقوله العائلة اللبنانية لموقع “963+”. كان دليلهم الوحيد هو “وجود أسماء أولاده مكتوبة على حائط السجن”. انتشر الخبر في حينها “لكن لم يستطع أحد الوصول إليه”، كما تكررت المحاولات عامي 1990 و1995 ولكن “دون نتيجة”.
في الماضي، أفرجت الحكومة السورية عن لبنانيين معتقلين لديها على دفعتين، الأولى ضمّت 121 لبنانياً أفرج عنهم عام 1998، فيما الثانية كانت عام 2000، حين أفرجت دمشق عن 54 لبنانياً معتقلاً لديها. ومنذ ذلك الحين، تقول جمعيات لبنانية أنه يوجد بضع مئات اللبنانيين المعتقلين قسراً في السجون السورية، فيما تنفي دمشق ذلك.
في المقابل، يشهد هذا الملف بعض الحراك على الصعيد الدولي، في محاولة للكشف عن مصير عشرات الآلاف من المعتقلين والمخفيين قسراً في سوريا.
سويدان: “عذاب لنا وللعائلة”
في مقابل تحرير بعض المعتقلين من السجون السورية في فترة التسعينيات وبداية الألفية، لا تزال عائلة وسام بانتظار عودة مفقودها، الأب اللبناني الذي خُطف عام 1977 وانقطعت أخباره عن الأسرة. كلّ فترة يصل خبر عن وجوده في إحدى السجون السورية، فيعود أمل العائلة من جديد بعودة واحد من مئات اللبنانيين المحتجزين في السجون السورية.
عام 2019، حاول الصليب الأحمر الدولي أخذ عينة من الحمض النووي من أولاد وسام والبحث عنه، لكن “ظروف الحرب وأمور لوجستية معقدة ساهمت في فشل العمليّة”، دون أن يعني ذلك أنهم فقدوا الأمل بعودة وسام، حسب العائلة.
في حديث خاص مع موقع “963+”، يقول الأسير اللبناني المحرر من السجون السورية ريمون سويدان، والذي يشغل حالياً رئيس مكتب الأسرى في حزب “القوات اللبنانية”، أن الإعتقال “عذابٌ على العائلة بقدر ما هو عذاب على المعتقل، إذ كنتُ بفارغ الصبر أنتظر زيارة أهلي لأني بهذه الحالة أطمئن أنهم وصلوا في الزيارة السابقة إلى بيروت دون تعرّضهم لأي مكروه، فالخوف والرعب رافقاني طوال اعتقالي”. كما يضيف أن “هذه التجربة تدفعنا بكل ما أوتينا من قوّة وايمان للعمل في سبيل إنهاء عذاب كلّ أم وزوجة وأولاد وجمعهم بمفقوديهم”، مؤكداً أن “هذه القضية هي إنسانية ووطنية بإمتياز”.
المؤسسة الدولية المستقلة
أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 2023، مؤسسة دولية مستقلة “للبحث عن مصير حوالي 150 ألف شخص من المفقودين والمخفيين قسراً في السجون السورية منذ عام 2011 ومن مختلف الجنسيّات”. على أثر ذلك، تحرّكت بعض الجهات اللبنانية من منظمات وأحزاب وكتل برلمانية لدعم القرار الأممي، بعد تسجيل محاولات عديدة من لجان لبنانية في هذا الموضوع منذ عام 2005 والتي بائت كلها بالفشل.
ويقدر رئيس جمعية “المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية”، علي أبو دهن، أن عدد اللبنانيين المخفين قسراً في السجون السورية يبلغ 628 شخصاً، و”هؤلاء تم توثيق وجودهم بشكل مؤكد”، فيما هناك شكوك عديدة عن وجود “بضع مئات آخرين في السجون السورية منذ ما قبل اندلاع الصراع عام 2011”.
وبعد إنشاء المؤسسة الدولية المستقلة، بادر حزب “القوات اللبنانية” وأطلق عريضة في آب/أغسطس 2023، حملت توقيع 46 نائباً في البرلمان اللبناني و41 جمعية إنسانية، رُفعت إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وتمّت الدعوة فيها إلى “ضمّ ملف جميع اللبنانيين القابعين ظلماً في السجون السورية ضمن اختصاص المؤسسة المنشأة حديثاً”.
وأعلن الأسير المحرر سويدان، أنهم تبلّغوا كحزب أن الأمم المتّحدة “صدّقت بتاريخ 1 نيسان/إبريل 2024 على العريضة التي تلقّتها من الجانب اللبناني”، إلّا أنها “لم تأخذ الطابع الإعلامي الملائم في ظل الحرب الجارية في المنطقة”، لكن دون أن ينفي “وجود تطمينات عن قرب بدء الأعمال والبحث في الملفّ على الصعيد الدولي”.
حراك في باريس ولجنة متابعة
في بداية العام الحالي، عُقد مؤتمر دولي في العاصمة الفرنسية باريس، للتداول بملفّ المعتقلين في السجون السورية، فيما صرّحت منظمات المجتمع المدني السوري في بيانٍ لها إلى “وصول عدد ضحايا الاعتقال والإخفاء إلى 800 ألف شخص”. كما أوضحت في بيانها على أهمية “سحب أداة الإعتقال والإخفاء القسري من قبضة الحكومة السورية، وضرورة محاكمة المرتكبين”.
شارك لبنان في هذا المؤتمر من خلال جمعية “المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية” بشخص رئيسها علي أبو دهن، أحد الأسرى المحررين وصاحب كتاب “العائد من جهنّم” الذي يروي فيه تجربته في السجون السورية. وأعرب أبو دهن في حديث لموقع “963+” عن أهمية هذا المؤتمر، إلّا أنّه رأى من الضروري “إطلاق مؤتمر ثانٍ لتناول شؤون المعتقلين، وإثارة مظاهر التعذيب التي يتعرّض لها المعتقلون، لنقل الصورة الواضحة والشاملة أمام المجتمع الدولي ما سيدفع نحو تراكم الجهود والأفعال في هذه القضية”.
ويؤكد أبو دهن أن واحد من الأسباب التي ساهمت في توثيق وجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية هو عمل الضابط السوري المسمى “قيصر” الذي نشر آلاف الصور للمعتقلين بعد إنشقاقه عن قوات الحكومة السورية، والذي كشف للعالم عن “أبشع وسائل التعذيب والقتل الذي أودى بحياة حوالي 11000 سوري قُتلوا تحت التعذيب في السجون”. كما أشار أبو دهن أنّه تعقيباً على نجاح المؤتمر الأول، تقرّر تنظيم “لجنة متابعة” مؤلفة منه كممثل للبنان وستة أعضاء سوريين، مهمّتها “المتابعة الدقيقة والتعاون الشّفاف مع المؤسسة المستقلّة وتزويدها بالمعلومات الضرورية”، إلّا أنّ عمل هذه اللجنة يبقى “صعباً في ظل وجود أكثر من 18 فرع مخابراتي يمنع الحصول على لوائح بأسماء المعتقلين”.
على الساحتين العربية والدولية
بدوره، أكّد سويدان أن نشاط “اللوبي السوري المعارض” على الساحة الدولية قد أثمر في مرّات عدّة، حيث “تمكّنوا من الكشف والإخبار عن بعض المرتكبين للجرائم أو المتستّرين عنها من خلال استحضار وثائق ومستندات وصور”. هذا وأصدرت بعض المحاكم الأوروبية أحكاماً بحق ضباط عسكريين وحفّاري قبور هربوا من الأراضي السورية وصولاً إلى أوروبا، حيث اعتقلوا وخضعوا للاستجواب وسجنوا في السنوات الأخيرة”.
ويشير سويدان في حديثه مع موقع “963+” إلى “تعدّد الجنسيّات بين المعتقلين في السجون السورية، منهم لبنانيون وأردنيون وآخرون مصريون، فيما تنفي الحكومة السورية وجود معتقلين من أي جنسية أجنبية”. في هذا السياق، أفادت صحيفة الوطن السعودية مؤخراً أنّ نحو 100 سعودي معتقل في السجون التابعة لأجهزة مخابرات الحكومة السورية، “إلا أن إخفاء المعلومات وصعوبة التحقق منها يعيقان معرفة إن كان عددهم يفوق ذلك”. وتسعى الرياض من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق إلى طرح مشاكل عالقة بين الدولتين، ومن بينها الإفراج عن المعتقلين السعوديين مقابل وقف التمويل السعودي لبعض الفصائل العسكرية، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
وبحديثه عن دور الدولة اللبنانية، أشار سويدان إلى امتناع لبنان كعضو في الأمم المتحدة عن التصويت على إنشاء المؤسسة المستقلة، “لأنّ الحكومة السورية ضغطت على لبنان لمنع ذلك ودوام نكرانها لوجود أي معتقل لبناني في سجونها”.