أطلقت السلطات العراقية في شهر آذار/مارس الماضي حملة أمنية لملاحقة الأجانب وحملة الجوازات العربية والآسيوية، المخالفين لشروط الإقامة في العاصمة بغداد، فكانت النتيجة توقيف العشرات من السوريين بعدما داهم الأمن العراقي أماكن إقامتهم وعملهم. وقالت وزارة الداخلية العراقية حينها إن تلك العملية نفذتها مديرية شؤون الإقامة، التي تتولى تنفيذ أحكام قانون الإقامة رقم 76 لعام 2017، المعني بدخول الوافدين إلى العراق وتنظيم عملية إقامتهم.
في هذا الإطار، توضح النائب نور نافع، عضو لجنة العمل ومؤسسات المجتمع المدني في البرلمان العراقي، أن الإجراءات الأخيرة التي قضت بترحيل لاجئين سوريين من العراق “لا تستهدف الأخوة السوريين، إنما أتت في إطار تنظيم أقامة العمالة الأجنبية في البلاد”، مضيفة لـ “963+” أن الحملة شملت كل مخالف لقانون الإقامة، من حاملي الجوازات العربية والآسيوية والأجنبية الأخرى، “والهدف منها تنظيم العمالة الأجنبية وإتاحة الفرصة لليد العاملة العراقية كي تجد فرص عمل ملائمة، وكذلك تطبيقاً للتعديل الأخير لقانون الضمان وتقاعد العمال وقانون العمل العراقي”.
وتستدرك رافع مؤكدةً ضرورة معاملة السوريين في العراق معاملة أخوية وإنسانية، “فيجب أن يكون وضعهم مختلفاً واستثنائياً نظراً للظروف التي يمرون فيها”.
خصوصية وإختلاف
وهذا أيضاً كان رأي زكاء الدين جمال سلمان، مسؤول الحماية المجتمعية في منظمة شبكة العيادات القانونية، الشريك التنفيذي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إذ قال إن للسوريين “خصوصية واختلافاً عن باقي اللاجئين من جنسيات أخرى، وعلى الحكومة العراقية أن تدرك أنه لا يمكن إدراج اللاجئين السوريين في خانة العمالة الأجنبية الوافدة، فهؤلاء أتوا العراق بسبب أوضاع أمنية قاهرة في بلدهم، وهم أولى برعاية الحكومة العراقية وحمايتها، وفقاً للقوانين الدولية”، خصوصاً أن العملية السياسية في سوريا لم تنضج بعد.
يشار في هذا السياق أن الاتحاد الأوروبي أكد في النسخة الثامنة من مؤتمر بروكسل، الذي انعقد في 30 نيسان/أبريل المنصرم، التزامه التام بعملية سياسية سورية تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي، ودعمه المستمر للسوريين في سوريا وفي دول الجوار السوري، واستمراره في رفض المساهمة في إعادة إعمار سوريا أو التطبيع مع الحكومة السورية ما دامت ترفض الانخراط في انتقال سياسي حقيقي يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
مشهد ضبابي
ويلفت سلمان في حديثه لـ “963+” إلى أن العراق لم يسنّ تشريعات وقوانين تخص اللجوء الإنساني، “وهذا ما يحول دون تقديم اللاجئ السوري طلب لجوء إنساني إلى المنظمات الأممية وهو على الأراضي العراقية”، متحدثاً عما سماه “ضبابية المشهد المحيط باللاجئين في العراق”.
وبحسب مسؤول الحماية المجتمعية في منظمة شبكة العيادات القانونية، تثير هذه الضبابية خوفاً كبيراً في نفوس اللاجئين السوريين من أن تستغلها أجهزة الأمن العراقية لترحيلهم “تلبية لأهواء من يديرون الدولة العراقية، من دون الخضوع للأنظمة الدولية”، كما يقول. ويتابع سلمان: “يضاف إلى هذه الضبابية ما يمكننا تسميته اصطلاحاً بالضغط المناطقي، ففي محافظة البصرة بجنوب العراق مثلاً، يشتد الضغط لترحيل السوريين، وغيرهم من الأجانب، كما يصل الأمر هناك إلى ترحيل العامل الوافد ولو كان عراقياً آتياً من محافظة عراقية أخرى”.
ويحذر سلمان أخيراً من عواقب تسليم اللاجئين السورين إلى الحكومة السورية، “فقد هرب عدد كبير منهم من الخدمة العسكرية في دمشق، وقد يواجه عقوبات قاسية”.
احتمالان لا ثالث لهما
يشعر الشبان السوريون اللاجئون في العراق بالخوف الدائم. يواجه السوري أمير الكفري (26 عاماً)، الذي يعمل في مطعم بوسط بغداد، ورفاقه مصيراً مجهولاً إن أعيدوا قسراً إلى سوريا بلادهم في ظل الأوضاع الحالية. يقول لـ “963+”: “لم نترك سوريا إلا مرغمين، وما كان الوصول إلى العراق سهلاً، فقد كلفنا ذلك مبالغ مالية طائلة يصعب علينا تعويضها”.
يضيف الكفري أنه عاش مستقراً في بغداد ثلاثة أعوام، “لكن الحال تغير اليوم بسبب ملاحقة العمالة السورية وترحيل عدد من زملائي بحجة خرقنا أنظمة الإقامة، وعملنا من دون تصاريح صادرة عن الحكومة العراقية”، مستغرباً توقيت هذه الحملة اليوم، على الرغم من احتضان الشعب العراقي اللاجئين السوريين، نافياً حصول أي حساسيات بين السوري والعراقي، خلافاً لما يحصل في لبنان مثلاً، “فهنا، لا تحريض ولا عنف ولا خطاب كراهية ضدنا”، علماً أن الوضع الاقتصادي في العراق ليس قوياً بما يكفي لتحمل أعباء اللجوء.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي أكد في مؤتمر بروكسيل الأخير سعيه الدؤوب إلى جمع تمويل إضافي من المجتمع الدولي، لدعم السوريين في المجتمعات المضيفة في دول الجوار السوري، بعدما نجحت النسخة السابقة من المؤتمر، في عام 2023، في حشد تعهدات دولية بقيمة 5.6 مليارات يورو لعام 2023 وما بعده، بما فيها 4.6 مليارات يورو لعام 2023، ومليار يورو لعام 2024 وما بعده.
أخيراً، إن كان لا بد من عودة الكفري القسرية إلى سوريا، فسيجد نفسه أمام احتمالين، لا ثالث لهما: “أن أواجه الموت إعداماً بعد محاكمتي بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية، لأنني كنت أقيم في منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وفق مايقول الشاب السوري، أن أحلّ ضيفاً ’عزيزاً‘ في سجون أجهزة الأمن الحكومية”.
وبانتظار أي تغيير جذري يضع سوريا على سكة الحل السياسي، كما يطلب الاتحاد الأوروبي في كل توصياته وقراراته التي تتعلق بسوريا، يعيش الكفري وغيره من السوريين في العراق، كما في الأردن ولبنان وتركيا، في مهب القرارات المفاجئة، معلقين آمالهم على دعم يؤكده الاتحاد الأوروبي للسوريين في دول اللجوء، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بطريقة كريمة وآمنة.