خاص ـ درعا
في أحد أزقة درعا البلد، في جنوبي سوريا، يتجمع شبان بينهم أطفال صغار، تملأ أصوات صراخهم المكان، يتناقلون فيما بينهم سيجارة من “حشيش”، كانوا قد اشتروها من أحد الأشخاص في منطقة أخرى.
يقول أحد هؤلاء الشبان، رفض الكشف عن اسمه، لموقع “963+”، إن “توفر تلك المواد المخدرة بات بمتناول يد الجميع، خاصة أن الشخص الذي يقوم ببيعهم تلك المواد، يأخذ سعراً منخفضاً، كما يقدم لنا مغريات، بأن من يروج لتلك المواد يحصل على سيكارة مجاناً أو حبة كبتاغون دون ثمن”.
وبعبارة تخلص مشهد انتشار المواد المخدرة في عدة مناطق في سوريا، وخاصة في المحافظات الجنوبية من البلاد، يقول الناشط الإعلامي يوسف حسن لموقع “963+”: “المخدرات متوفرة كأي سلعة عادية أخرى تتداول في السوق”.
وغالباً ما تصف تقارير صحفية أجنبية سوريا بأنها “دولة المخدرات”، بعدما انتشر استخدام المخدرات على أنواعها وبخاصة مادة الكبتاغون فيها، وتحول سوريا إلى مركز لشبكات إقليمية متعددة لتهريب هذه الحبوب المخدرة.
سوريا “مركز عالمي لإنتاج الكبتاغون”
وتشير دراسات مختلفة إلى تحول سوريا لأحد أهم مراكز تصنيع وتجارة وترويج المخدرات في العالم، وكذلك انتشار تعاطي مختلف أنواع المخدرات من قبل شريحة واسعة من السوريين، فيما تصف صحيفة “الغاردين” البريطانية سوريا بأنها “المركز العالمي لإنتاج الكبتاغون” منذ عام 2021.
والكبتاغون هو عقار اصطناعي جرى تصنيعه في بداية الأمر في ألمانيا في مطلع ستينيات القرن الماضي لعلاج فرط الحركة وتشتت الانتباه. بيد أنه انتشر مؤخراً بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يستخدمه المقاتلون والمسلحون المنخرطون في القتال بسوريا لتعزيز قدرتهم على القتال وتقليل أي شعور بالإرهاق والتعب، كما يعطيهم جرعة من الرشاقة والقوة لفترة زمنية محددة.
ويعتبر حسن، الذي ينشط في المجال الإعلامي في محافظة درعا جنوب سوريا، أن “المخدرات من أبرز المشاكل في سوريا عامة وفي درعا بشكل خاص”، مضيفاً أنه “بالرغم من تواجدها منذ زمن بعيد إلا أنه بعد سيطرة الحكومة السورية عام 2018 على المحافظة وزيادة تواجد الفصائل الموالية لإيران مثل حزب الله اللبناني، زاد الانتشار والإنتاج والترويج للمخدرات”. ولا يعني هذا الأمر أن المخدرات محصورة في مناطق سيطرة الحكومة السورية فقط، إنما وجودها يشمل كل أنحاء البلاد وإن بنسب متفاوتة.
ويشير الناشط الإعلامي في حديثه لموقع “963+” أيضاً، إلى أن “تلك المواد كانت تُنقل في الماضي من مكان إلى آخر ولكن بكميات قليلة وبشكل خفي، إلا أن الكميات باتت أكبر الآن واختلفت وسائل النقل حيث باتت تتم عبر السيارات”.
وتحوّلت سوريا من معبر لتهريب المخدرات قبل العام 2013 إلى مُصدّر لها منذ ذلك العام بالذات، وبخاصة حبوب الكبتاغون، وذلك بالتزامن مع انكماش اقتصادها الرسمي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية والفساد، وتحوّل مصانع الكيمياويات في مدينتي حلب وحمص إلى مصانع لهذه الأقراص بحسب تقارير صحفية.
ويتم ترويج المخدرات، بحسب حسن، عبر الكثير من الجهات “وحتى من أشخاص تابعين للحكومة السورية، ولبعض الفروع الأمنية، ويملكون أوراق رسمية ذات طابع أمني تمكّنهم من التنقل بسهولة”.
وتستهدف تلك المجموعات فئة المراهقين، “حتى أن تلك المواد باتت في متناول أيدي الأطفال في ظل تخفيض سعرها الذي بات يتناسب مع الجميع، حيث يبدأ سعر الجرعة من 2000 ليرة سورية (0.80 سنت أميركي) ويرتفع حسب النوع والجودة ليصل إلى المليون ليرة (71.5 دولار أميركي) لأنواع مثل الكوكايين والهيروين”، بحسب حسن.
تداعياتها على المجتمع
وأشارت تقارير صحفية سورية إلى أنه كثرت الشكاوى من ارتفاع أعداد الجرائم المرتبطة بالمخدرات، كالسرقة وخاصة سرقة السيارات والخطف بهدف طلب فدية والقتل، فيما قالت “إدارة الأمن الجنائي” في محافظة درعا إن “940 حادثة من هذا النوع وقعت في هذه المحافظة الصغيرة عام 2021 فقط”، فيما كان اللافت حسب “الإدارة” أن من يقوم بهذه الجرائم “عصابات ضمت بين صفوفها أعداداً من المراهقين والقُصّر مع مشاركة من فتيات ونساء تتراوح أعمارهنّ بين 15 و40 عاماً”.
كما قالت دراسة لـ”مركز الحوار السوري” الواقع في مدينة حلب شمال سوريا، إن قسماً كبيراً من المخدرات أصبح يُصنّع محلياً وبأسعار رخيصة، وهو الأمر الذي ترافق مع المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الكبيرة عند الشباب مما أدّى إلى “إيجاد البيئة النموذجية لانتشار تعاطي المخدرات”، ولذلك ارتفعت نسبة المتعاطين “إلى حدود 8 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً”.
ويشدد حسن على أنه لا توجد إحصائية دقيقة لنسبة المتعاطين للمواد المخدرة، “خاصة أن تلك النسبة لو ظهرت فلن تكون من مصلحة الحكومة السورية”. في المقابل يشير تقرير لصحيفة “نيورك تايمز” أن عائدات التجارة بالمخدرات في سوريا يبلغ حوالي 5.7 مليارات دولار سنوياً.
ويرى الناشط الإعلامي أن أهم إجراء لوقف انتشار المخدرات في سوريا، هو “تجفيف مصادر هذه المواد التي تأتي من لبنان، ومحاربة الأشخاص الذين يتاجرون فيها”، مضيفاً أنه “ليس من الضرورة محاربتهم بعقوبات كالتي تفرضها أميركا، بل يمكن استهدافهم واعتقالهم بطرق معينة، ومحاربة المصدر والمكان الذي تُرسل إليه”.
رعاية واضحة للمخدرات
يشير الدكتور كرم الشعار، وهو باحث وخبير في “معهد نيولاينز” في واشنطن، إلى أن أكثر المخدرات انتشاراً في سوريا “هي عملياً مخدرين أحدهما الكبتاغون وهي من فئة المنشطات، والآخر هو الحشيش، وهو مادة مستخرجة من القنب”.
ويقول الشعار في حديثه لـ”963+” إنه بعد عام 2019 “باتت هناك رعاية واضحة من أذرع ومجموعات تتبع للحكومة السورية لإنتاج المخدرات لما تحققه تلك المواد من مكتسبات لها”.
ويعدّد الخبير في “معهد نيولاينز” تلك المكتسبات معتبراً أن إحداها إرضاء الحاضنة غير الحكومية التي تدافع عن السلطة السورية كالجماعات المسلحة المدعومة من إيران وحزب الله اللبناني، إذ أن هؤلاء “عندما يربحون من إنتاج وبيع المخدرات يزيد ولائهم للسلطة ويكون أعلى لأن بقائهم من بقائها”.
أما النقطة الثانية والأهم، من وجهة نظر الشعار، هي أن “الحكومة السورية ترى أن المخدرات ورقة ضغط سياسية مهمة على الدول التي تُعتبر الأكثر استهلاكاً للكبتاغون”. ويحلل ذلك عبر موقع “963+” قائلاً أن “الحكومة السورية تقول للعالم، إذا أردتم أن أكافح هذه الآفة هناك حل وهو تطبيع العلاقات معي وتأمين مصادر دعم أخرى، حتى أبدأ في العمل على هذا الموضوع داخلياً وأكافحه”.
وتسبب انتشار المخدرات في سوريا وتهريبها إلى دول الخليج، بمشاكل عدة مع دول الجوار وخاصة الأردن، حيث تم ضبط كميات كبيرة إضافة إلى اشتباكات بين حرس الحدود والمهربين في الأشهر القليلة الماضية.
وفرضت بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي،ا خلال العام الماضي، عقوبات على قائمة طويلة من الأشخاص السوريين يشتبه بتورطهم في تجارة الكبتاغون، بينهم شخصيات مقرّبة من السلطات السورية.