خاص ـ باسكال صوما/ بيروت
بعد موسم رمضاني صاخب بالقصص الدرامية المعقدة والمسلسلات “الضخمة” والحكايات المحبوكة بالحزن والظلم وأوجاع الطفولة وثقوب الذاكرة، ربما كان المشاهد العربي بحاجة إلى استراحة، أو فلنقل، إلى هدنة. وأتت الهدنة بالنسبة إلى كثيرين، على شكل مسلسل “لعبة حب” المعرّب من النسخة التركية لمسلسل “حب للإيجار” الذي حاز شهرة واسعة في تركيا، وتمت دبلجته أيضاً إلى العربية. وقد حقق نجاحاً كبيراً في العالم العربي خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2017، وهو من بطولة كل من إلتشين سانغو وباريش أردوتش.
أما “لعبة حب”، أي النسخة العربية من العمل، فيتألف من 90 حلقة، ويضم نخبة من النجوم السوريين واللبنانيين من بينهم معتصم النهار، نور علي، أيمن رضا، شكران مرتجى، جو طراد، ساشا دحدوح، أيمن عبد السلام، حسن خليل، حازم زيدان، ساندي نحاس، وبمشاركة حسام تحسين بك، فيما المسلسل من إخراج فيدات أويار، ويعرض عبر منصة “شاهد”.
يروي المسلسل حكاية مالك الأسعد، وهو شاب ثري يجسّد دوره الممثل السوري معتصم النهار، وهو أحد الأسماء البارزة في عالم تصميم الأحذية النسائية. تبدأ الحكاية حين تدخل الشابة “سما” التي تلعب دورها الممثلة السورية نور علي، إلى حياته لتقلبها رأساً على عقب. ثم سرعان ما يكتشف مالك أن دخول سما إلى حياته لتعمل مُساعدته الخاصة، ليس مجرد مصادفة، بل هو نتيجة لعبة محبوكة من عمه “سلطان” (يؤدي الدور أيمن رضا) وزوجته “فريدة” (تلعب دورها شكران مرتجى)، اللذين دفعا المال لهذه الفتاة الفقيرة، حتى توقعه في شباكها ويتزوجها. تتحول اللعبة إلى جدّ، وتصبح المؤامرة قصة حب حقيقية وشيّقة، لتستمر الحلقات في جوٍّ كوميدي لطيف، بحيث يشعر المشاهد بأنه بالفعل في فترة نقاهة تبعده من الواقع، لا داعي ليُتعب رأسه أو يتعاطف كثيراً أو يحزن حدّ البكاء مع الأحداث والشخصيات. مجرد قصة خفيفة، بقدرات إنتاجية وتصويرية وإضاءة محترفة، إضافة إلى الأزياء والألوان التي تجعل متابعة المسلسل متعة وتسلية.
منذ بداية عرض حلقاته الأولى، سرعان ما اتّهم المسلسل بالتسطيح وبأنه لا يشبه لا البيئة السورية ولا حتى اللبنانية، حتى بدا وكأنه من صنع الخيال بالنسبة إلى المشاهد السوري أو اللبناني، الغارق في الأزمات الاقتصادية والمعيشية والحروب والفقر. وربما يكون الاتهام في محله نسبياً، فالمسلسل لا يشبه حياتنا ولا يجسّد مصائبنا عموماً، حتى إن الكثير من المشاهد نُقلت كما هي عن النسخة التركية، بما في ذلك الأداء التمثيلي وملامح الشخصيات وطباعها وتفاصيلها، والنهفات والنكات و “الإيفيهات”.
واعتبر البعض أن المسلسل “سخيف” وغير واقعي، إذا ما قورن بهموم المشاهد العربي أو بما تحمله المسلسلات الأخرى من قضايا اجتماعية أو إنسانية كبرى وقصص عميقة، تستهلك تفكير المشاهد ومشاعره. علماً أن الكوميديا تراجعت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، لا سيما في الأعمال العربية المشتركة، فبتنا نرى الكثير من الدراما والقليل القليل من الكوميديا لإضافة نكهة خفيفة على المسلسلات.
وسط هذه الاتهامات والرشقات والانتقادات كلها التي تطاول المسلسل وصانعيه ونجومه، يمكن القول إن مسلسل “لعبة حب” هو أكثر ما يحتاج إليه جزء كبير من الجمهور المرهق، وتحديداً السوري واللبناني، كونه يقدّم جرعة كوميديا وتسطيح وبساطة، وألوان وفرح وهموم صغيرة وخيالات وفانتازيا. والبساطة ليست بالضرورة سخافة أو حتى “تفاهة”، إلى جانب أن المرء يحتاج إلى التفاهة كي يواصل قتاله اليومي. ويمكن هنا العودة إلى الاقتباس الشهير من رواية ميلان كونديرا “حفلة التفاهة”، “أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام، لم يكن ثمة سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد”.
والمسلسل هو تطبيق حرفي لما قاله كونديرا، أي بوجوب ألا نأخذ العالم على محمل الجد وأن نسرح قليلاً نحو مكان آخر، أكثر خفة ورشاقة وتسطيحاً. ثم إن هناك سؤالاً يمكن طرحه على النّقاد والممتعضين، هل على المسلسلات كلها أن تكون أعمالاً جدّية وملتزمة وأن تدخل إلى بيوت الناس محمّلة بالهموم الكبرى والأحزان العميقة؟ ألا يستحق المشاهد بعض الكوميديا والتسلية وخفة الدم؟
من جانب آخر، فإن مخرج المسلسل تركي، وقد تم تصوير آخر مشاهده في السعودية، أما بقية أحداث المسلسل ففي تركيا، إلا أنه وفق الرواية فالأحداث تدور في بيروت. وقد يكون ذلك كله في خدمة الفانتازيا والصورة الحلوة، كون تركيا باتت تستقطب قسماً كبيراً من الأعمال الدرامية العربية، نظراً للتسهيلات التي يحصل عليها صانعو المسلسلات وأماكن التصوير المتاحة والمناسبة… إنما على هامش ذلك كله والضجة التي يثيرها المسلسل، حزين أن تدور قصة في بيروت في خيالنا فقط، وألا يكون ممكناً تصويرها في هذه المدينة أو في دمشق. لكن أيضاً، فلنواسِ قلوبنا ونعتبر أن بيروت ودمشق برغم كل شيء لا تزالا مدينتين للأحلام وتصلحان للتخيّل واللهو والتسالي.