الحسكة
منذ عام 2014، لجأ أكثر من 5000 شخص إلى مخيم عين الخضراء في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا. نزحت عائلات كثيرة من مناطق سورية عدة، وهي تعيش هنا في أبسط الظروف. لتوفير أمل جديد للفتيات والفتيان في هذا المخيم، أنشأت اليونيسف مركزًا يوفر التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة لأطفال تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات.
ويتلقى الطلاب الآن 10 حصص تعليمية أسبوعيًا، فيتعلمون الرياضيات واللغتين الإنكليزية والعربية والرسم، ويشاركون في أنشطة ترفيهية مصممة لمساعدتهم على تجاوز تأثيرات الحرب.
إنها مدرسة أطلق عليها اسم “الحلم”، بحسب تحقيق أممي نشره موقع “فوربس”، تمولها جزئيًا مبادرة “التعليم لا يؤجّل”، تقدمها اليونيسف. تقول شيرين، إحدى المعلمات في المدرسة: “نقدم للأطفال أنشطة ترفيهية وتعليمية. نستخدم المكعبات والألوان والكرات والبطاقات. ولتشجيعهم على التفاعل، أقوم أولاً بشرح الأفكار الجديدة على السبورة البيضاء، ثم نقرأ عنها معًا من كتاب، ونغني عنها أو نرسم عنها. لم يعرف بعض الأطفال كيف يمسكون بالقلم عندما بدأنا”.
الحق في بداية ممكنة
بالنسبة إلى سحر (3 سنوات)، هذه فرصة للحلم. تقول: “الرسم والتلوين هما أنشطتي المفضلة”. وبالنسبة لوالدتها زليخة، يعد مركز التعلم هذا فرصة لكسر دائرة الأمية وعدم المساواة. تقول: “نحن لم نتعلم لكن على أطفالنا أن يتعلموا. أنا لا أعرف حتى كيف أكتب اسمي”.
تضيف “إذا بدأوا التعلم في سن مبكرة، فسوف يساعد ذلك في رفع مستوى وعيهم. قبل المجيء إلى هنا، كانت ابنتي تقضي كل وقتها في خيمتنا، لكنها الآن تحب التعلم هنا. إذ مرضت، تبكي لأنها تغيب عن المدرسة”.
وفقًا لليونيسف، الأطفال المسجلون لعام واحد على الأقل من التعليم ما قبل الابتدائي هم أكثر عرضة لتطوير المهارات الأساسية التي يحتاجونها للنجاح في المدرسة وأقل عرضة للرسوب أو التسرب المدرسي. وهذا أيضًا يهيئهم للنجاح في المدرسة الثانوية وفي مكان العمل، حتى أن بعض الدراسات يشير إلى علاقة بين التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وانخفاض جرائم العنف.
400 ألف طفل
تقول عايدة، المدرسة في مدرسة “الحلم”: “مر هؤلاء الأطفال بصعوبات جمة، ونحن نستخدم الأنشطة الترفيهية لتعليمهم الأساسيات كالحروف الأبجدية والأرقام”. وبحسبها، التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة ضروري للأطفال، ليس للتعلم فحسب، لكن لاستكشاف كيفية التفاعل مع الأطفال الآخرين والأشخاص خارج دائرة الأسرة أيضاً.
منذ عام 2018، قدمت مبادرة “التعليم لا يؤجل” أكثر من 57 مليون دولار من التمويل في سوريا، بما في ذلك 7 ملايين دولار استجابة للزلزال المدمر الذي هز المنطقة في شباط/فبراير 2023. وقد المنح اتحاد واسع من الشركاء، بينهم اليونيسف والمنظمة النرويجية ومفوضية اللاجئين.
منذ عام 2018، وصل التمويل من مبادرة “التعليم لا يؤجّل” إلى أكثر من 400 ألف طفل في سوريا، وتم توزيع مواد تعليمية فردية على أكثر من 140,000 طفل، وتلقى ما يقرب من 5,000 معلم دعماً مالياً، ويجري بناء وإعادة تأهيل فصول دراسية جديدة، مثل مدرسة “الحلم”.
المناخ أيضاً
إلى ذلك، تعد أزمة المناخ أيضًا أزمة تعليمية، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال المتأثرين بالصراع في سوريا، حيث الاحتياجات أكثر خطورة. هناك 224 مليون طفل متأثر بالأزمات في جميع أنحاء العالم، وهم في حاجة ماسة إلى الدعم التعليمي. وفقًا لمبادرة “التعليم لا يؤجل”، تأثر نحو 62 مليون شخص بالمخاطر المناخية مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير وغيرها من الظواهر الجوية القاسية منذ عام 2020.
إن التغير المناخي عامل رئيسي في المآسي السورية: جفاف شديد ساهم في الهجرة والنزوح على نطاق واسع؛ تفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية غير المستقرة؛ إضافة إلى مخاطر الحرب. لذا، يقوم شركاء المبادرة في سوريا بتطبيق سياسات الاستدامة لتجهيز المدارس لفصل الشتاء ودمج تغير المناخ في المناهج الدراسية التي يقدمها المعلمون.
وتدعو هذه المبادرة قادة العالم إلى الدفاع عن أطفال سوريا في خضم هذه التحديات المتزايدة لتوفير 1.5 مليار دولار من التمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بما في ذلك 150 مليون دولار موجهة نحو أزمة المناخ.
تقول ياسمين شريف، المديرة التنفيذية لمبادرة “التعليم لا يؤجل”: “مستقبل البشرية على المحك. ارتفاع منسوب مياه البحار وارتفاع درجات الحرارة وحالات الجفاف الشديدة والفيضانات والمخاطر الطبيعية تؤدي إلى عرقلة مكاسب التنمية وتمزق العالم”.
وبالنسبة إلى سحر ورفاقها ورفيقاتها في مدرسة “الحلم”، يمثل التعليم فرصة لكسر دائرة الصراع والنزوح والفقر والجوع إلى الأبد. إنه تغيير لاحتضان الحلم والأمل في الاستدامة والمرونة والطريق نحو مستقبل أكثر سلامًا.