خاص ـ الحسكة
صادف يوم أمس الذكرى التاسعة بعد المئة للإبادة الأرمنية. ففي عام 1915، قتل العثمانيون أكثر من مليون أرمني، وهجّروا أعداداً كبيرة من الأرمن، توجهوا حفاة إلى أقاليم مجاورة، وخصوصاً إلى سوريا ولبنان، حسب أغلب المراكز البحثية الأرمنية المعنية في شؤون التاريخ.
واعتبر المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان، جميل دياربكرلي، في تصريحات لموقع “963+”، أنه بعد مرور قرن من الزمن عاد الشعب المسيحي بكافة أطيافه، ليتعرض للإبادة نفسها في سوريا والعراق وتركيا ولبنان، “حيث نجد أعداد المسيحيين في تناقص خطير جداً، فصحيح الأدوات مختلفة هذه المرة ولكن الجريمة هي ذاتها، إبادة شعب واقتلاعه من جذوره”.
وشدد دياربكرلي على أن الإبادة الجماعية التي جرت عام 1915 بحق مسيحيي السلطنة العثمانية، هي “جرح عميق في ذاكرة وقلوب مسيحيي المشرق لا يمكن تجاوزه كون آثاره لا تزال ماثلة أمامنا حتى يومنا هذا من قتل وتشريد وتغيير ديموغرافي”.
وتبذل معظم المؤسسات الفاعلة على الساحة الأرمنية، السريانية، الكلدانية والآشورية، الكنسية منها والمدنية والحقوقية، جهوداً للمساهمة في الحفاظ على هذه الذكرى لتبقى ماثلة للأجيال القادمة وللمجتمعات الدولية، و “كيف أن شعباً تعرض لإبادة جماعية وقُتل بدم بارد بتواطئ غربي حينذاك”، بحسب المدير التنفيذي للمرصد.
ضرورة خلق شراكات حقيقية
يضيف دياربكرلي لـ”963+”: “يمكن استخلاص الكثير من الدروس والعبر، وأهمها ضرورة خلق شراكات حقيقة مع جيراننا من سكان المنطقة، لأن الاعتماد على الحكومات والأنظمة لا يجدي نفعاً، لأنك لا تعلم في أي وقت قد تكون سلعة على طاولة بازاراتهم السياسية الرخيصة، فالتحالف ومد الجسور مع جيراننا على أسس وقواعد متينة شيء ضروري لأن السلم والأمن المجتمعي ضروري جداً”.
ويشدد كذلك على ضرورة “توثيق أي انتهاك مهما كان كبره أو صغره لأنه في يوم من الأيام نؤمن أنه سيكون هناك محاسبة ومساءلة”، مؤكداً أن القيام بذلك هو “من أجل الّا يضيع حق أحد من الضحايا”.
على المجتمع الدولي تطبيق قراره
اعترفت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية كالبرلمان الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، ونحو 20 دولة بينها الولايات المتحدة الأميركية وسوريا ولبنان، بالإبادة الجماعية بحق الأرمن، ما شكّل نوعاً من الضغط السياسي على تركيا للإقرار بحصول الإبادة.
ويقول المدير التنفيذي للمرصد، إن للمجتمع الدولي دور هام في إعادة الحق لأصحابه، واعترافهم كمرحلة أولى “مهم جداً”. مضيفاً أن هذا الاعتراف “ليس كافياً لأن الاعتراف شيء، وتطبيق هذا الاعتراف على أرض الواقع شيء آخر”، ضارباً مثلاً حيّاً عن دولة السويد التي اعترفت بالإبادة “ولكن هذا القرار الذي صدر عن البرلمان السويدي غير ملزم للحكومة لاتخاذ الإجراء المناسب بما يقتضيه كالضغط على تركيا أو المطالبة بحقوق الضحايا”.
كما يرى أن الحالة الوحيدة التي يتحرك فيها القرار هي وجود أزمة بين الدول التي اعترفت بالإبادة الأرمنية وبين تركيا، وفي حينها “يلوّحون بالقرار كنوع من التهديد، ولكن عند صفاء العلاقة بينهم يُنسى الأمر، وتغييب القضية في أدراج الدبلوماسية المظلمة”.
ويشدد المدير التنفيذي في ختام حديثه لـ”963+” على أن أكثر من 4 ملايين آشوري، سرياني وكلداني ينتشرون بعيداً عن أراضيهم، و”لن يصطلح أمرهم إلا في حال وُضعت تركيا أمام مسؤوليتها الأخلاقية أولاً والقانونية ثانياً وأعادت لكل ذي حق حقه، وتصالحت مع الشعوب التي ألحقت بهم ضرراً”.
ويُقدر عدد الأرمن الذين عاشوا في سوريا قبل اندلاع الحرب في عام 2011 بنحو 150 ألفاً، بحسب منظمة “الشتات الأرمني”، إضافة إلى 156 ألف أرمني يعيشون في لبنان بحسب منظمة “حقوق الأقليات” العالمية. إلا أن أعدادهم تضاءلت جداً، خصوصاً في سوريا، حيث لا يتجاوز عددهم اليوم 14 ألفاً فقط بحسب “تجمع الكنائس الأرمنية”.
“أذربيجان مذنبة كذلك”
بدوره، قال رئيس طائفة الأرمن البروتستانت في سوريا القس هارتيون سليميان لـ”963+”: “التركي والعثماني يصرون اليوم على إنكار الإبادة وعدم تحمّل المسؤولية، وهذا ما يؤكد تكرار هذه الأنواع من الإبادة بحق شعوب متعددة بأزمنة متعاقبة”.
كما قال في معرض إحياء الذكرى السنوية للإبادة الأرمنية في كنيسة “بيت آيل” في حلب يوم أمس، أن “كل بقعة من هذه الأرض معرّضة لتكرار إبادة العثمانيين بحق الأرمن، ولذلك يجب على المجتمع الدولي المساهمة في إرساء الأمن والسلام”، مضيفاً أن دولة أذربيجان “سلبت أرمينيا مقاطعة كاملة بدعم تركي عام 2020 وهذا يجدد الإبادة بحق الأرمن”.
وأشار أيضاً إلى أنه “يجب على الأمم المتحدة أن تنصف الأرمن لأنهم أصحاب الأرض”، مهدداً بأنه في حال عدم تحمّل الأمم المتحدة لمسؤوليتها تجاه شعوب العالم “فإن الذهاب باتجاه مكان غير آمن آت لا محالة”، على حد تعبيره.
وقتل أكثر من مليون أرمني وهجر آخرون على يد العثمانيين في عامي 1914 و1915، كما سبق هذه الأحداث “المذبحة الحميدية” – نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد – بين عامي 1894 و1896، وراح ضحيتها نحو 150 ألفاً بحسب معهد التاريخ الأرمني، إضافة إلى إبادة أخرى في عام 1909، راح ضحيتها 30 ألفاً بحسب أرقام المعهد نفسه. بالإضافة إلى ذلك، تعرّضت الأقليات المسيحية الأخرى، السريانية، الأشورية والكلدانية، إلى مذابح متكررة على يد السلطنة العثمانية والجمهورية التركية بين عامي 1914 و 1923، راح ضحيتها حوالي نصف مليون شخص، بحسب معظم مراكز الأبحاث الدولية المعنية في هذا الشأن.