شهد القطاع الصحي في سوريا تراجعات حادة منذ مطلع عام 2012. فسوريا التي كانت تنتج أكثر من 90% من الأدوية المستخدمة فيها، باتت اليوم بحاجة إلى مساعدات طبية، آخرها النداء الإنساني العاجل التي أطلقته وزارة الصحة في حكومة تصريف الأعمال السابقة، في مؤتمر صحفي عقدته في 26 آذار/مارس، مطالبة الجهات المعنية بتقديم المساعدة نتيجة النقص الحاد في أدوية السرطان داخل سوريا.
وبعد اندلاع الحرب السورية في 2011، ومع تراجع الإنتاج الدوائي في البلاد، والعجز عن استيراد بعض الأدوية، لجأ النظام المخلوع إلى استخدام أدوية إيرانية وهندية في علاج بعض الأمراض المزمنة والأمراض الخطيرة كالسرطان أو غيره، وهذا ما أكده الدكتور جميل الدبل، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لأمراض الدم والأورام في سوريا، قائلاً: “رغم عدم فعالية هذه الأدوية، فقد كانت الشيء الوحيد المتاح بسبب عدد كبير جداً من العقوبات، وبسبب قلة التمويل والدعم لواحد من أكثر القطاعات أهمية في سوريا”.
تجارة مربحة
يصف الدكتور الصيدلي محمد دبلوني في العدد الخامس من صحيفة “963+” القطاع الدوائي في سوريا بـ”المترنح”، ويقول: “كانت الاستراتيجية الدوائية بعد انطلاق الحراك الشعبي سيئة جداً، إلى درجة أن الدواء الذي يعد من أهم الأشياء الواجب توفرها، وصل إلى مرحلة من الإنتاج التجاري كأي سلعة أخرى، فتجد نوعيات متعددة ذات جودة مختلفة، وهذا الأمر أدى إلى قلة الإنتاج الدوائي وضعف سمعته العالمية”.
ويضيف الدبلوني: “الإنتاج الدوائي لكل دولة ذات سيادة هو صناعة استراتيجية، أما في سوريا فالأمر مختلف. كان الإنتاج الدوائي تجارة مربحة لبعض رجال النظام السابق، وتحولت بعض معامل الأدوية إلى تصنيع الكبتاغون والمخدرات، بعدما انتهك نظام الأسد قدسية الصناعة الدوائية، وباتت سوريا واحدة من أسوأ الدول في التصنيع الدوائي، سمعةً وإنتاجاً”.
ومع تضخم الاقتصاد في سوريا وتردي الأوضاع المعيشية، ارتفعت أسعار الأدوية بشكل كبير جداً رغم زيادة معامل الأدوية المحلية بنسبة 23% في عام 2018 عما كانت عليه قبل عام 2011، إذ ارتفع عدد المعامل من 58 إلى 73 معملاً منتجاً، بحسب بيانات اصدرتها وزارة الصحة التابعة للنظام المخلوع قبل سقوطه.
كما وقال ماهر الشرع، وزير الصحة السابق في حكومة تصريف الأعمال: “لدينا عشوائية في التصنيع الدوائي، وسيكون هناك سلل دوائية تفرضها وزارة الصحة على المعامل لتصنيعها بحسب حاجة السوق، إذ كانت المعامل في سوريا تصنع الأدوية ذات المواد الأولية رخيصة الثمن وعالية الربح”.
مافيا الأدوية
في عام 2023 رفعت وزارة الصحة التابعة آنذاك لنظام الأسد، أسعار الأدوية 3 اضعاف، بنسب تصل إلى 100% على بعض الأصناف والزمر الدوائية، بسبب تضارب المصالح بين أصحاب المعامل الدوائية ووزارة الصحة التي تلقت ضغطاً هائلاً في تلك الفترة من جانب “مافيا الأدوية”، بحسب الطبيب الكيميائي عمر كلاوندي الذي قال إن “الدواء بعد سقوط الأسد بات متوفراً لبعض أنواع الأمراض الموسمية، لكنه مفقود لأنواع أخرى كأمراض السرطان والقلب والسكري، وتعد هذه الأدوية ضرورية جداً، فغيابها يمكن أن يؤدي لوفاة المريض”.
ويضيف كالاوندي لصحيفة “963+”: “مع انفتاح سوريا بشكل كامل على تركيا، نرى أدوية تركية المنشأ، خصوصاً تلك التي تعالج السعال والربو وضيق التنفس والأمراض الموسمية الأخرى، لكن أسعارها مرتفعة مقارنة بالدخل المالي للفرد، وذلك يعود إلى التاجر المستورد الذي يتحكم بسعر الدواء بسبب غياب الرقابة إلى حد كبير، وهذا ما جعل الدواء الضروري كأي سلعة أخرى يحكم سعرها قانون العرض والطلب”، الأمر الذي يؤدي إلى عدم استقرار أسعار الأدوية في سوريا، والمطلوب رقابة دوائية صارمة جداً.
نشرت هذه المادة في العدد الخامس من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 4 نيسان /إبريل 2025.
لتحميل كامل العدد الخامس من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+