يحمل محمد أغراضه كل صباح ويسير في شوارع الرقة وحدائقها ريثما يتخطى الوقت الساعة التاسعة، هذه الحالة صارت شبه يومية بالنسبة للرجل حيث يحاول الحصول على شحن لهاتف المحمول و”لابتوبه”.
محمد الغازي 33 عاماً، يسكن بمدينة الرقة، ويعمل بمجال الترجمة عن بعد، لذا يحتاج إلى توافر الإنترنت والشحن لأجهزته الإلكترونية، لكن الرجل بدأ يعاني منذ الأسبوع الماضي، مع انقطاع شبه دائم للكهرباء.
وتغرق مدينة الرقة شمالي سوريا في ظلام دامس، بعد أن قررت الإدارة الذاتية وقف توليد التيار الكهربائي عبر سد الفرات الذي حذّرت من خروجه عن الخدمة خلال أقل من شهر نتيجة تدني منسوب المياه في البحيرة.
يقول محمد أن الحي الذي يسكنه تغذيه الكهرباء النظام أو يُعرف بكهرباء السد، وكانت قد وصلتهم منذ نحو ثلاثة شهور فقط، وقبل التطورات الأخيرة كانت تصل إلى الحي بمعدل 10 ساعات ما يمكن الرجل من الاعتماد عليها، وتكفيه عناء “الشنططة”، وفق قوله.
ويضيف أنه مع وصول الكهرباء النظامية التي افتقدها الحي لسنوات، قطع صاحب المولدة الذي كان يغذيه الأشرطة وأزال جميع العُلب من الحي، نزولاً عند رغبة غالبية السكان الراغبين بتخفيض التكاليف خاصة أن ساعات تشغيل الأمبيرات تتزامن مع وصول كهرباء السد.
وتغذي مدينة الرقة كهرباء الأمبيرات والكهرباء النظامية، التي وصلت مؤخراً إلى 60 بالمئة من أحياء الرقة كانت قد افتقدتها لسنوات، وتبلغ ساعات تشغيل الأمبيرات 9 ساعات مقابل اشتراك أسبوعي يبلغ 9 آلاف للأمبير الواحد.
اقرأ أيضاً: منسوب الفرات يتراجع: أزمة بيئية واقتصادية تهدد حياة الملايين
يقول محمد إنه يلجأ إلى الكافيتريات لتسيير أمور عمله رغم أن ذلك يجبره على دفع مالا يقل عن 100 ألف يومياً، كونه يضطر لتجديد طلبات كحجة لجلوسه الطويل، ويأمل الشاب بأن تتحسن ساعات وصل الكهرباء.
لا بدائل
تعتمد مدينة الرقة بشكل خاص والجزيرة السورية بشكل عام على كهرباء السدود المولّدة من سدي الفرات وسد تشرين، لكن هذين الأخيرين تأثر بانخفاض منسوب نهر الفرات وكذلك الأعمال الحربية بمحيط سد تشرين.
ويعد سد تشرين من أهم السدود السورية الواقعة على نهر الفرات، وثاني أكبرها، ويبعد ما يقارب 125 كم عن مدينة حلب، ويغذي مناطق منبج وصرين وكوباني والجرنية والقرى المحيطة بالسد بالكهرباء والمياه، ويولّد ما يقارب 1.6 كيلو واط ساعي في العام الواحد، ويحتوي على 6 مجموعات للتوليد، استطاعة كل مجموعة 105 ميغا واط، وطول السد يقدر بـ 1500 متر، وحجم البحيرة 1.9 مليار متر مكعب، ومساحتها 164 كيلو متر مربع.
لكن، توقف السد عن العمل منذ 10 ديسمبر/كانون الأول 2024 نتيجة تضرره أثناء الاشتباكات، ما حرم قرابة 413 ألف شخص من المياه والكهرباء في منطقتي منبج وكوباني، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، صدر في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي. واتهمت المنظمة الدولية تركيا وفصائل “الجيش الوطني” الموالي لها بارتكاب جرائم حرب مفترضة بمحيط سد تشرين.
وينسحب حال محمد على غالبية سكان مدينة الرقة، الذين باتوا يعانون من نقص شديد في ساعات توصيل الكهرباء، مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، ما يحرمهم من المياه الباردة، ويضطرهم إلى شراء قوالب الثلج لتبريد المياه وتخزين الطعام.
ورغم قدرته المادية الضعيفة، إلا أن فراس الجاسم 43 عاماً لجأ لتركيب منظومة طاقة شمسية لتزويد منزله بالكهرباء بشكل شبه دائم، دون الاعتماد على كهرباء الأمبيرات أو النظامية.
لكن تركيب المنظومة يعتبر ثقيلاً على غالبية السكان في ظل ارتفاع تكاليفها، وتبدأ بحوالي 700 دولار في الحد الأدنى صعوداً إلى نحو ألفي دولار أميركي بالنسبة للتغذية المنزلية.
ويعتمد بعض سكان الرقة على جيرانهم هؤلاء ممن استطاعوا تركيب طاقة شمسية لشحن جوالاتهم، بالإضافة لبعض أصحاب المحال التجارية.
تحذير من الكارثة
ومنتصف الأسبوع الماضي، حذرت الإدارة الذاتية من خروج سد الفرات عن الخدمة خلال أقل من شهر نتيجة الجفاف وضعف الوارد المائي من تركيا. وذكرت الإدارة في بيان، أن سد تشرين خرج عن الخدمة خلال الأشهر الماضية نتيجة الأعمال القتالية، فيما تدخل إلى الأراضي السورية نحو 250 متر مكعب من المياه كحصة لسوريا والعراق.
اقرأ أيضاً: مفتاح شرق الفرات.. لماذا تستميت تركيا على سد تشرين؟
وأضافت أن موسم الجفاف الاستثنائي وزيادة التبخر في البحيرات، زاد الضغط على بحيرة الفرات ما أدى لاستنزاف مخزونها الاستراتيجي إلى حوالي 298 متر عن سطح البحر في حين أن مستواها الطبيعي 304 متر. وأشارت إلى أنها خفّضت توليد الكهرباء بنسبة 40 بالمئة، وفرضت إجراءات صارمة لمرور المياه من السد حفاظاً على المخزون الاستراتيجي، بعد أن انخفض منسوب المياه بأكثر من 5 أمتار عمودية، وفقدان 4 مليار متر مكعب من مياه بحيرة الفرات.
وتواجه سوريا واحدة من أسوأ الأزمات المائية في تاريخها الحديث، حيث وصل منسوب المياه في نهر الفرات إلى مستويات غير مسبوقة. إذ انخفض منسوب المياه الواردة من النهر إلى أقل من 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما يشكل تراجعاً كبيراً عن الكمية المتفق عليها في الاتفاق بين سوريا وتركيا عام 1987، والتي كانت تضمن ضخ 500 متر مكعب في الثانية من المياه إلى الأراضي السورية.
منذ بداية الألفية، تباينت تدفقات مياه نهر الفرات تبعًا لموجات جفاف وموسمية الأمطار. ولكن، من عام 2011 وحتى 2019، بدأت الأزمة تتفاقم مع اندلاع الحرب الأهلية السورية. استمر الوضع في التدهور، حيث سجل عام 2021 أدنى مستوى في تاريخ منسوب النهر، مع انخفاض بلغ خمسة أمتار مقارنة بالعام السابق.
