“ملناش دخل بالقضية الفلسطينية إحنا عايزين سيناء بس. الحل يجب أن يضمن عودة جميع الأراضي العربية التي احتُلت عام 1967، إضافة إلى معالجة قضية اللاجئين. إذا كان حد عايز يكافح ما يكافح، إذا كان حد عايز يناضل ما يناضل”. بكلمات قليلة، قالها من قبل نصف قرن، نسف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كل “حواديث” القومية العربية، وأصاب ما تبقى من “وحدة الساحات” في مقتل.
ربما لم يكن هذا مفاجئاً لكثيرين أحسنوا قراءة أوائل السبعينيات إذ يعلمون أن من دفع في اتجاه “لاءات الخرطوم” هو نسفه من وافق على القرار الأممي 242، وأن من اهتز الشارع العربي كله على وقع شعار “ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ بغير القوّة” هو نفسه الذي وافق على مشروع روجرز.
ومعروف طبعاً، من دون تراجع، أن القرار 242 و”مشروع روجرز” هما سبيلان لتسوية مع إسرائيل على قاعدة الأرض مقابل السلام. فلا يموت الذئب الإسرائيلي ولا يفنى الغنم الفلسطيني – العربي. وهؤلاء القارئون يتذكرون بالتأكيد أن الفلسطينيين أنفسهم تظاهروا في شوارع عمان ذات يوم ضد تخاذل عبد الناصر.
ويعود التسجيل الصوتي المسرّب لعبد الناصر والزعيم الليبي المقتول معمر القذافي إلى آب/أغسطس 1970، أي قبل وفاة الرئيس المصري بأسابيع قليلة، ويلقي بظلاله على السنوات الناصرية الأخيرة، خصوصاً أن كلاماً نُسب إلى بعض من دائرة عبد الناصر الضيقة يؤكد أن نكسة 1967 كانت نقطة فاصلة في حياته، إذ كان بعدها مختلفاً تماماً عن الزعيم الحالم قبلها، وتحول من قائد قومي عربي طموح إلى رئيس يتعامل مع الواقع بإدراك أعمق لحدوده وإمكانياته، من دون أن يكون ذلك استسلاماً بقدر ما كان قراءة حقيقية لدروس سياسية وعسكرية مؤلمة.
اقرأ أيضاً: “التعاون الخليجي” ومصر يدعوان لدعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها – 963+
وفي الآن نفسه، كان قبوله بمبادرة روجرز خطوة استراتيجية محسوبة، إذ استغل الفرصة لنقل جدار الصواريخ المصري قرب قناة السويس قبيل وقف إطلاق النار، الخطوة التي مهدت لاحقاً لما عُرف بـ “الدفرسوار” في حرب 1973.
ويُسمع في التسجيل المسارب انتقاد ناصري ضمني لدعوات الحشد الثوري آنذاك، في رسالة واضحة للقذافي ولغيره من القادة العرب الذين كانوا ينتقدون سياسته، في موقف يعكس تحولاً عميقاً في فكره السياسي، إذ ألمح في التسجيل إلى أن السلام لا يأتي من “طموحات غير واقعية”.
أياً كان التحليل، المثير للدهشة اليوم هو توقيت نشر التسجيل الصوتي، في هذه الفترة تحديداً، فيما المنطقة العربية تمر بظروف سياسية معقدة. من يقف وراء التسريب؟ يطرح هذا السؤال نفسه بقوة، خصوصاً أن أسرة عبد الناصر اعترفت بأن التسجيل “جزء من أرشيفه المتاح”، ما يفتح الباب للتساؤل: هل نُشر التسجيل بموافقة العائلة، أم هناك جهات أخرى سربته لأهداف محددة؟
إن كان الهدف من تمريره اليوم تبرير أي قرار يمكن أن تتخذه القيادة المصرية في ما يتصل بقضية غزة، فهذا ليس مفهوماً، من منطلق أن القيادة المصرية لا تحتاج لأي تبرير. فهي في الأصل مرتبطة مع إسرائيل بمعاهدة كامب ديفيد. ولو الحال كذلك، لكان الأجدى إظهار هذا الميل الناصري إلى الواقعية حين وقف العرب كلهم ضد زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى القدس.
في أي حال من الأحوال، ينسب إلى أحد الديبلوماسيين في جامعة الدول العربية قوله إن عبد الناصر كان ينظر إلى القذافي، حين كان في ذروة ثوريته بعد وصوله إلى زعامة ليبيا، ويقول له: “إنت بتذكرني بشبابي يا معمّر”.
نشرت هذه المادة في العدد التاسع من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 2 أيار /مايو 2025.
لتحميل كامل العدد التاسع من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+