تحوّلت العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك من تحالف سياسي ومالي قوي إلى عداء علني، خلال أقل من عام، وسط تصاعد التوترات حول النفوذ السياسي والسياسات الاقتصادية داخل البيت الأبيض.
بداية التحالف: محاولة اغتيال ونقطة تحول
في تموز/ يوليو 2024، شكّلت محاولة اغتيال ترامب في ولاية بنسلفانيا نقطة تحول حاسمة في علاقة الرجلين، حيث أعلن ماسك دعمه الكامل للرئيس عبر منصة “إكس”، قائلاً: “أؤيد الرئيس ترامب تماماً وآمل أن يتعافى سريعاً”. ومنذ ذلك الحين، بدأت ملامح التحالف بالظهور بسرعة لافتة.
تقارب متسارع
شارك ماسك في آب/ أغسطس في بث مباشر عبر “إكس” إلى جانب ترامب، رغم المشاكل التقنية التي استمرت ساعة كاملة. تبادل الطرفان رسائل الدعم، وناقشا ملفات عدة من بينها تغير المناخ. كما عبّر ماسك عن استعداده “للخدمة” بنشر صورة رمزية له كوزير لـ”كفاءة الحكومة(DOGE)”.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر، ظهر ماسك في أحد تجمعات ترامب الانتخابية مرتدياً قبعة الحملة، معلناً: “ترامب هو المرشح الوحيد الذي يحافظ على الديموقراطية في أميركا”.
اقرأ أيضاً: عطل فني يحرج ماسك أمام ترامب والعالم – 963+
من الحملة إلى الحكومة
عقب فوز ترامب في الانتخابات، أسند لماسك مهمة قيادة وزارة كفاءة الحكومة إلى جانب فيفيك راماسوامي، في خطوة تهدف إلى تقليص البيروقراطية والإنفاق الفيدرالي.
وقال ترامب حينها: “معاً، سيمهد هذان الأميركيان الرائعان الطريق لتفكيك البيروقراطية الحكومية”. وفي إشارة إلى عمق العلاقة، حضر ترامب شخصياً إطلاق صاروخ “ستارشيب” في تكساس برفقة ماسك، بينما أصبح الأخير ضيفاً دائماً في منتجع مارالاغو بعد يوم الانتخابات، ما أظهر متانة الشراكة بين الطرفين.
نجم الحفل
في حفل التنصيب، وصف ترامب ماسك بأنه “النجم الجديد” للحزب الجمهوري و”الرجل الرائع”، ما أكد مكانة ماسك المتصاعدة في الإدارة الجديدة، وعزّز الانطباع بأنه بات أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في صفوف الجمهوريين
بداية التوتر
رغم محاولات النفي العلنية، بدأ التوتر يظهر في الأفق. ترامب حاول تقليل أهمية الخلافات، ملقياً باللوم على وسائل الإعلام، وقال لفوكس نيوز: “اتصل بي إيلون وقال إنهم يحاولون التفريق بيننا”.
غير أن الانتقادات المبطّنة بدأت تطفو، خاصة بشأن محاولات ماسك توسيع نفوذه داخل مؤسسات الدولة، ومنها معهد الولايات المتحدة للسلام، وهو ما أثار قلق دوائر مقربة من ترامب.
تفاقم الخلاف
في أيار/ مايو، أعلن ماسك مغادرته واشنطن، وأعلن نيّته التخلي عن وزارة كفاءة الحكومة، معبّراً عن اعتراضه على مشروع قانون إنفاق حكومي ضخم وقّعه الرئيس. هذا التطور مثّل منعطفاً حاداً في العلاقة، وأدى إلى تسارع التباعد بين الطرفين بعد شهور من التعاون.
اقرأ أيضاً: هل ينقل ماسك البندقية من كتف لكتف وينضم للديموقراطيين؟ – 963+
الطلاق المُر
في 3 يونيو، شن ماسك هجوماً لاذعاً على مشروع قانون “الفاتورة الواحدة الجميلة”، واصفاً إياه بـ”الرمز المقيت والمثير للاشمئزاز”. وفي 5 يونيو، عبّر ترامب من المكتب البيضاوي عن “خيبة أمله”، قائلاً: “لقد ساعدت إيلون كثيراً… وكان يعرف تفاصيل المشروع جيداً”.
ورد ماسك جاء حاداً على “إكس”، حيث دعا إلى عزل ترامب، وهاجم سياساته الاقتصادية، محذراً من ركود وشيك.
ترامب لم يتأخر في الرد، وكتب عبر “تروث سوشيال”: “لا أمانع انقلاب إيلون ضدي، لكن كان يجب أن يفعل ذلك قبل شهور”، واقترح وقف الدعم الحكومي والعقود الفيدرالية لشركات ماسك، خاصة “سبيس إكس”.
وما لبث أن رد ماسك بتغريدة نارية (محذوفة لاحقاً)، ألمح فيها إلى علاقات سابقة مزعومة بين ترامب وجيفري إبستين، وأعلن دعمه لدعوات تطالب بعزل الرئيس.
وفي 7 يونيو، أكد ترامب في مقابلة مع NBC أن العلاقة مع ماسك “انتهت نهائياً”، محذراً من “عواقب وخيمة جداً” إذا قرر الملياردير تمويل مرشحين ديمقراطيين، ومتهماً إياه بعدم احترام منصب الرئاسة، قائلاً: “لا يمكنك أن تُظهر عدم احترام لمؤسسة الرئاسة”.
محاولة ترميم فاشلة
في 11 يونيو، نشر ماسك اعتذاراً على “إكس”، كتب فيه: “أندم على بعض منشوراتي حول الرئيس في الأسبوع الماضي. لقد تجاوزت الحد”. وسجّلت أسهم شركة تسلا ارتفاعاً بنسبة 2.7% عقب نشر الاعتذار، في إشارة إلى تفاؤل السوق بمحاولة التهدئة.
رغم نبرة الاعتذار، عادت لهجة ماسك الهجومية في 30 يونيو، حيث انتقد مجدداً مشروع قانون ترامب، ودعا إلى تشكيل حزب سياسي جديد. وكتب قائلاً: “واضح أننا نعيش في دولة حزب واحد – حزب الخنزير الشحيح!! حان الوقت لحزب سياسي جديد يهتم بالمواطنين”.
خلفيات العلاقة وأسباب الانهيار
يرجع التقارب الكبير الذي جمع ترامب وماسك في بدايته إلى عوامل رئيسية، أبرزها الدعم المالي الكبير الذي قدّمه ماسك لحملة ترامب الانتخابية والذي بلغ 277 مليون دولار، بالإضافة إلى تطابق الرؤى بين الرجلين في ما يتعلق بتقليص البيروقراطية الحكومية. كما كانت محاولة اغتيال ترامب في يوليو 2024 نقطة مفصلية دفعت ماسك إلى إعلان دعمه الكامل للرئيس، ما مهّد لتحالف وثيق.
لكن على الجانب الآخر، قادت الخلافات حول السياسة المالية، وتحديداً مشروع قانون الإنفاق الحكومي، إلى تصدع العلاقة. كما أن محاولة ماسك توسيع نفوذه داخل وكالات الدولة أدت إلى تضارب في السلطات، وزاد من حدّة الخلاف الصراع الخفي على النفوذ بين شخصيتين بارزتين تسعيان للهيمنة على القرار السياسي.
تداعيات اقتصادية وسياسية
أدى الانقسام العلني بين الرجلين إلى هزة في الأسواق، حيث انخفض سهم شركة “تسلا” بنسبة 14%، ما محا نحو 150 مليار دولار من قيمتها السوقية. كما تواجه شركات ماسك تهديداً بخسارة عقود حكومية تبلغ قيمتها نحو 38 مليار دولار، ما ينذر بانعكاسات مالية عميقة على مشاريعه.