منذ نهاية عطلة عيد الفطر، دخلت محافظة درعا في موجة غلاء مفاجئة وغير مسبوقة في أسعار الخضار، خلخلت ميزان الأسواق وأثقلت كاهل العائلات، حتى باتت الخضار – التي لطالما كانت تسمى “طعام الفقراء” – بعيدة المنال، ليس فقط لأصحاب الدخل المحدود، بل حتى لمن يوصفون بـ”الميسورين”.
ارتفاع صادم
رصد موقع “963+” قفزة جنونية في أسعار معظم أنواع الخضار خلال أيام معدودة، في درعا، مقارنةً بما كانت عليه قبل العيد، حيث جاءت الأرقام على الشكل التالي:
| الصنف | السعر قبل العيد (ليرة سورية) | السعر بعد العيد (ليرة سورية) | نسبة الارتفاع التقريبية |
| ——— | —————————- | —————————- | ———————–
البندورة 2,500 12,000 380%
الخيار 4,000 20,000 400%
البطاطا 3,000 7,000 133%
الباذنجان 3,000 7,000 133%
الكوسا 2,000 7,000 250%
هذا الارتفاع الحادّ تزامن مع اختفاء الخضراوات المستوردة من الأسواق، وتباطؤ نزول المحاصيل المحلية، خاصة في مناطق حوض اليرموك، ما أدى إلى شحّ في العرض، يقابله طلب متزايد في فترة العيد وما بعدها.
اقرأ أيضاً: الأمن العام يطلق حملة أمنية بريف درعا جنوبي سوريا – 963+
السوق يئن تحت غياب الرقابة وتوقف الاستيراد
يصف وليد الخبي، وهو تاجر خضار من مدينة نوى، واقع السوق بـ”غير المسبوق”، ويقول في حديث لـ”963+”: “كلنا ناطرين ينزل موسم حوران، لعل الله ترخص الأسعار شوي. معروف إنو موسم حوران لما بيبلّش، بيغطي كل سوريا من الخضرة، وبيكون له تأثير مباشر على الأسعار”.
ويضيف أن السوق كان يعتمد في الفترة الماضية على استيراد الخضراوات من الأردن ومصر، الأمر الذي خفّف من حدة الأسعار نوعًا ما، إلا أن هذا الاستيراد توقّف فجأة بعد العيد، دون أن يتضح السبب، ما فاقم أزمة العرض.
ويقول الخبي: “اليوم ما في إنتاج كافي، ولا استيراد، والناس عم تشتري بـ500 ليرة، مو بالكيلو، بالحبة”، مضيفاً أن حتى الزبائن المعروفين بقدرتهم الشرائية باتوا يطلبون “نص كيلو بندورة وكم حبة خيار”، متسائلًا: “فكيف الموظف العادي؟”.
حتى “الميسورين” باتوا يشتكون
الغلاء لم يعد حكراً على الفقراء وذوي الدخل المحدود، كما توضّح خلود العمارين، وهي معلمة من درعا، تقول لـ”963+”: “حتى يلي معاشه 500 ألف ما عم يكفي. كيلو بندورة، كم حبة خيار، وكيلو بصل صاروا يكلّفوا مثل طبخة لحمة”.
وتضيف أن دخلها الإضافي من الدروس الخصوصية – الذي كانت تعتمد عليه سابقاً لتغطية مصاريف المنزل – لم يعد كافيًا، في ظل تراجع الإقبال على التعليم الخاص بفعل الغلاء العام”.
وتقول بلهجتها العامية: “الناس بطّلت تبعت أولادها، والغلاء أكل كلشي. لا الراتب ولا الدروس الخصوصية عم تكفي”.
وفي ريف درعا الغربي، يعبّر يحيى الجهماني (67 عاماً)، وهو موظف متقاعد، عن غضبه من واقع الأسعار بقوله: “معاشي التقاعدي 200 ألف، يعني حق 15 كيلو بندورة! شو بدنا ناكل؟ وشو نطبخ؟”، يحيى الذي عاش أزمات عديدة خلال حياته، يصف هذه الموجة بأنها “الأقسى”.
ويضيف لـ”963+”: “الخضار كانت آخر شي متاح، واليوم صارت من الكماليات. صرنا نحسبها.. نطبخ بندورة ولا بطاطا؟ ولا نطبخ بلاهن؟ معقولة البندورة والبطاطا أغلى من الموز؟”.
اقرأ أيضاً: انتشار غير مسبوق للعملة المزورة في محافظة درعا السورية – 963+
بين الاحتلال والمناخ والسياسات
وفق ما أكدته مصادر محلية لـ”963+”، فإن أسباب الغلاء المتفجر في أسعار الخضار تعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها: “تأخر إنتاج درعا ومحاصيل حوض اليرموك، نتيجة الاحتلال الإسرائيلي لمناطق زراعية واسعة في الجنوب، ما أعاق “نزول الموسم” الذي اعتاد السكان عليه في مثل هذا الوقت من كل عام. تضرر موسم البندورة في الساحل السوري بسبب الأحداث الأخيرة التي أثّرت على البنية التحتية الزراعية”.
كما عددت المصادر أسباباً أخرى وهي: “توقف استيراد الخضراوات من الأردن ومصر، والذي كان سابقًا يشكّل صمام أمان للسوق المحلي، وغياب الرقابة التموينية وضبط الأسعار، ما فتح المجال أمام المضاربة والاحتكار، خصوصاً من بعض التجار الذين استغلوا الأزمة”.
وفي ظل هذا الواقع، تعالت أصوات الأهالي مطالبةً بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتخفيف العبء، ومن أبرز المقترحات التي وردت على لسان السكان والتجار: “دعم المزارعين المحليين، خاصة في درعا وحوض اليرموك، لتسريع نزول الإنتاج إلى السوق، إعادة تفعيل الاستيراد المنظّم للخضار من الدول المجاورة، ضمن آلية تضمن عدالة الأسعار، ضبط الأسواق ومحاسبة المحتكرين، وتفعيل دور مديريات التموين بشكل فعلي ورفع الرواتب أو تقديم دعم مخصص للغذاء، يتناسب مع القفزات المتتالية في الأسعار”.