لعل أغلبنا، عندما كنّا أطفالاً، نام على وسائد كُتب عليها “نوم الهنا”، ودخل بيوتاً كُتب على بواباتها أو جدرانها “يا رب بارك هذا المكان” وعبارات أخرى مشابهة. كان استخدام الكتابة باللغة العربية محصوراً بهذا الحيّز، فيما اعتدنا رؤية القمصان و”التيشيرتات” وحتى البنطلونات الموشومة بعبارات أجنبية، خصوصاً بالإنكليزية، وهي مألوفة للجميع. لكن ذهنية الحرفيين السوريين، التي لا تهدأ، قدمت في الآونة الأخيرة، ومن خلال متاجر معدودة افتُتحت بدمشق، قمصاناً وشالات موشومة بعبارات عربية تتغزّل بدمشق والياسمين، وبالحرية والكرامة، وبكلمات حب مقتبسة من قصائد نزار قباني وأغانٍ لزياد الرحباني وغيرهما.
اعتزاز باللغة العربية
يقول جوزيف غريبة، الحرفي المختص بالكتابة بالخط العربي على القمصان والكنزات، لـ”963+”: “أنا أكتب الخط العربي على الكنزات والشالات وحتى الحقائب اليدوية الصغيرة. جاءت فكرة الكتابة بالعربية من اعتزازنا بهذه اللغة. اعتدنا ارتداء كنزات مكتوب عليها بلغات أجنبية لا نفهم معناها أحياناً، فقد يعجبنا اللون أو التصميم من دون أن نعرف المقصود من العبارة المكتوبة. لذلك قررنا أن نكتب بالعربية، اعتزازاً بلغتنا وبلدنا، وردّاً لجزء مما منحَتْنا إيّاه من عطاءات”.
اقرأ أيضاً: كانت سجوناً.. تحوّلت فنادق ومدارس ومتاحف – 963+
تطريز وطباعة
يشرح جوزيف أن التطريز والطباعة هما الطريقتان المستخدمتان للكتابة على مختلف أنواع الملابس. ويعرض كنزة مكتوباً عليها عبارة من أغنية زياد الرحباني “بحبك بلا ولا شي” بطريقة الطباعة، وأخرى كُتبت عليها عبارة “حلوة يا بلدي” بالتطريز.
ويضيف: “هناك تطريز يدوي يُسمى (صرما)، يُستخدم فيه خيط تطريز يحتوي على معدن ليطيل عمره الافتراضي، وهو لا يتأثر بالغسيل أو غيره، خاصة إذا كانت الكنزة من القطن السوري المعروف بجودته. التطريز اليدوي يستغرق وقتاً أطول، لكنه يتميز بجودة تفوق الماكينات الحديثة بنسبة 90 إلى 95%. أما الطباعة الرقمية، فهي لا تصلح إلا على البوليستر، إذ يجب أن يحتوي النسيج على 60% من البوليستر على الأقل لضمان جودة الألوان، وتتيح الطباعة الرقمية طباعة نحو 100 ألف لون، مقابل 20 إلى 25 لوناً فقط على القطن. ومع ذلك، يظل القطن محافظاً على ميزة هامة، وهي قدرته على حفظ حرارة الجسم صيفاً وشتاءً”.
مهنة حديثة الولادة
يؤكد جوزيف أن هذه المهنة حديثة العهد، قائلاً: “افتتحنا المتجر قبل شهر فقط، وهناك إقبال كبير على بضاعتنا. في الواقع، بدأ الناس يهتمون بالمنتجات حتى قبل الافتتاح الرسمي حين أثار التحضير فضولهم. كثيرون طلبوا كتابة عبارات وتصاميم خاصة بهم، وبالتأكيد نحن قادرون على تلبية هذه الرغبات”.
جورب “أبو رقبة” إلى جانب القمصان المكتوبة بالعربية، انتشرت في أحياء دمشق بسطات تعرض ملابس أطفال رُضّع تحمل عبارات طريفة مثل: “لا تقلي بحبك عطيني مصاري”، أو “ما حدا يحاكيني جوعان”، أو “البوسة بـ100 والحضنة بـ200 والعضة بـ300″، وغيرها من العبارات المرحة. كما ظهرت جوارب مرسوم عليها رسومات ساخرة وعبارات تهكمية مثل: “سنعود بعد الإعلان” و”هكذا تقف الأسود”، وأكثرها غرابة جورب يحمل رسماً كاريكاتورياً لبشار الأسد وقد طُوّلت رقبته بشكل مبالغ فيه مع عبارة “أبو رقبة”، وهو اسم كان يُطلق أصلاً على نوع من الجوارب الطويلة قبل حكم آل الأسد.ويقول محمد رامي، الذي يعمل بائعاً في هذه البسطات، لـ”963+”: “زبائننا ليسوا من سوريا فقط، بل يأتون من الأردن والعراق وألمانيا ومختلف أنحاء العالم”.
اقرأ أيضاً: الإيقاع بعد السقوط: ماذا يقول الموسيقي السوري سيمون مريش؟ – 963+
انتقام بأقل كلفة
يعلق الناشط الاجتماعي أنس الحمد لـ”963+”: “أنفق بشار الأسد ملايين الدولارات لإهانة الشعب السوري، لكن حِنكة الحرفيين السوريين استطاعت أن تردّ له الصفعة برسم صورته على الجوارب وتسميتها (أبو رقبة)، كما كان الشعب يتندر عليه خلال حكمه. والمفارقة أن هذه الإهانة لم تكلف أكثر من عشرين سنتاً”.