في خطوةٍ مفصلية تمثل نقطة تحول في المشهد السياسي والاقتصادي السوري وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا ينهي العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا للسماح بإنهاء عزلة دمشق عن النظام المالي العالمي، وذلك تماشياً مع تعهد واشنطن بمساعدة سوريا على إعادة الإعمار بعد أكثر من عقدين من العزلة الاقتصادية والديبلوماسية.
ومن جانبها وصفت وزارة الخزانة الأميركية إجراء ترامب بالخطوة التاريخية، مؤكدةً أن هذا القرار سينهي عزلة سوريا عن النظام المالي العالمي ويمهّد الطريق للتجارة والاستثمار في المنطقة. فهل ستسهم هذه الخطوة في فتح باب التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار؟ وما انعكاسات هذا القرار على الواقع الاقتصادي المتردي في البلاد؟
ويتضمن الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب تخفيفاً لضوابط التصدير على بعض السلع، ومنح إعفاءات محددة من قيود المساعدات الخارجية لسوريا، كما يوجه وزارة الخارجية إلى استكشاف إمكانيات تخفيف العقوبات عبر الأمم المتحدة دعماً لمسار الاستقرار.
وأكد البيت الأبيض أن القرار، الذي دخل حيز التنفيذ الثلاثاء الماضي، يبقي العقوباتِ قائمةً على رئيس النظام السابق بشار الأسد ومعاونيه، بالإضافة إلى منتهكي حقوق الإنسان، وتنظيم “داعش”، ووكلاءِ إيران، والمتورطين في برامج الأسلحة الكيميائية.
وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية الثلاثاء، إن القرار الذي وقّعه الرئيس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا، سينعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري.
وأوضح برنيه، أن المرسوم الأميركي ألغى 5 مراسيم سابقة، شكّلت الأساس القانوني لكثير من العقوبات على سوريا وشملت أكثر من 5000 جهة سوريّة، كما ألغى حالة الطوارئ التي فُرضت عام 2004.
كما أشار وزير المالية السوري، إلى أن “القرار يُمهد لفك الحصار الاقتصادي على تصدير الخدمات والبضائع الأميركية إلى سوريا”.
وفي أول تعليق رسمي سوري، رحب وزير الخارجية في الحكومة السورية أسعد الشيباني بقرار ترامب إنهاء برنامج رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن هذه الخطوة تمثل نقطة تحول مهمة من شأنها أن تفتح الباب أمام إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها، وتزيل عقبة أمام التعافي الاقتصادي.
اقرأ أيضاً: ترامب يوقع أمراً تنفيذياً برفع العقوبات عن سوريا – 963+
منعطف مهم وخطوة إيجابية
يصفُ الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري الدكتور عمار يوسف، قرار ترامب بـ”الخطوة الإيجابية والجيدة والتي من شأنها تحقيق منعطف مهم في الاقتصاد السوري بالإضافة إلى دفع عجلة التعافي الاقتصادي مما سيسهم في منح الثقة والأمان للمستثمرين خارج سوريا لإعادة اندماجهم بالاستثمارات السورية وبالتالي إعادة الأعمار في البلاد”.
أما بالنسبة لتأثير قرار ترامب على معيشية المواطن السوري يؤكد يوسف لـ”963+” أن “هذه الخطوة ستنعش الحركة الاقتصادية بين سوريا ودول العالم مما سيسهم في انتعاش الحياة المعيشية للمواطن السوري”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هذا الانتعاش والتحسن المعيشي “سيأخذ وقتاً على المدى الطويل مرجعاً ذلك إلى تعافي الاقتصادي السوري إلى حد ما وخاصة فيما يتعلق بحوامل الطاقة وانسيابية النقل داخل وخارج سوريا وموضوع الاستيراد والتصدير”.
كما يشدد يوسف على أن المعوقات الحالية التي تقف أمام تحسن الاقتصاد السوري هو “قانون قصير الذي يمنع سوريا من دخول الأنظمة المالية العالمية في حال لم يتم إلغاؤها بشكل كامل”، مؤكداً على ضرورة “إلغاء قانون قيصر بشكل كامل حتى تتمكن سوريا من تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية”.
وفي منشور على منصة إكس قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، إن “الولايات المتحدة تتخذ المزيد من الإجراءات لدعم سوريا مستقرة وموحدة”.
وأشار روبيو إلى أن “الولايات المتحدة تدعم سوريا المستقرة التي تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها، ولن تشكل العقوبات الأميركية عائقاً أمام مستقبل سوريا”.
اقرأ أيضاً: وزير المالية السوري: رفع العقوبات الأميركية سينعكس إيجاباً على الاقتصاد – 963+
تسهيل عملية التعافي وإعادة الإعمار
من جهته يرى الخبير الاقتصادي وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان بيار الخوري، إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع معظم العقوبات عن سوريا في 30 حزيران/ يونيو 2025 يمثل تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية تجاه دمشق، ويأتي في سياق دعم الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع.
أما من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يساهم هذا القرار في تسهيل عملية التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، من خلال فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية وعودة الشركات الدولية للعمل في السوق السورية، بالإضافة إلى تسهيل التعاملات المالية والمصرفية.
وبالنسبة للشعب السوري، يشير الخوري لــ”963+” إلى أنه من الممكن أن ينعكس رفع العقوبات بشكل إيجابي على المدى المتوسط، من خلال تحسين توفر السلع الأساسية، وتخفيف الأعباء المعيشية، وزيادة فرص العمل.
ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، بحسب الخوري، “خاصة في ظل الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية عميقة، وضمان توزيع عادل للموارد، ومكافحة الفساد كما منع النخبة التجارية من استغلال ظروف الشعب السوري”.
ويؤكد الخوري على أن رفع العقوبات الأميركية يشكل خطوة مهمة نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، ولكنه لا يكفي وحده لتحقيق ذلك، “فلا تزال هناك عقبات أخرى تتعلق ببيئة الاستثمار والضمانات للاستثمارات الأجنبية، وهو ما يتطلب إجراءات إضافية حكومية موازية ولتحقيق نهضة اقتصادية حقيقية، تحتاج سوريا إلى تنفيذ إصلاحات شاملة، تشمل إعادة بناء المنظومة المصرفية، وتعزيز الشفافية، وتحسين بيئة الأعمال، وتوفير الضمانات للمستثمرين. كما يمكن لسوريا الاستفادة من علاقاتها مع دول مثل تركيا وقطر، التي أبدت استعدادها لدعم جهود إعادة الإعمار”.
وفي ختام حديثه يشدد الخبير الاقتصادي على أن “رفع العقوبات يعد خطوة إيجابية نحو التعافي الاقتصادي، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً ويتطلب جهوداً متواصلة وإصلاحات جذرية لضمان تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة”.